الخميس، ١٢ مارس ٢٠٠٩

أوباما يعترف .. طالبان انتصرت وأمريكا خسرت


رغم إعلانه في فبراير الماضي عن زيادة عدد القوات الأمريكية في أفغانستان بنحو 17 ألف جندي ، إلا أن هذا لم يمنع أوباما من الخروج فجأة بتصريحات مدوية جاء فيها أن أمريكا لم تكسب الحرب هناك وأنه لا مفر من الحوار مع ما أسماها بالعناصر المعتدلة في حركة طالبان بدلا من إرسال المزيد من القوات .
ولم يكتف بما سبق ، بل إنه حذر في مقابلة مع صحيفة "نيويورك تايمز" في 8 مارس من أن الأسوأ لم يقع بعد ، قائلا :"لقد شهدنا تدهورا في الأوضاع خلال السنتين الماضيتين وحركة طالبان ازدادت جرأة وجسارة عن قبل، نراهم في مناطق جنوب البلاد يشنون هجمات لم يسبق أن شهدنا مثلها ، بينما الحكومة الأفغانية لم تكسب ثقة الشعب" ، وعندما سئل إن كانت الولايات المتحدة بصدد كسب الحرب في أفغانستان التي يعتبرها "الجبهة المركزية في الحرب على ما أسماه بالإرهاب ، رد ببساطة "لا" ، مؤكدا أن أمريكا لا تحقق انتصارا في الحرب في أفغانستان .
وانتهى إلى القول :"الوضع في أفغانستان بالتأكيد أكثر تعقيدا من العراق، يوجد منطقة خارجة أكثر عن السلطة، تاريخ من الاستقلال تتمسك به القبائل بشراسة ، ثمة قبائل كثيرة وهي أحيانا تتحرك عبر الحدود ، أخذ كل ذلك في الحسبان يطرح تحديا أكبر بكثير".
التصريحات السابقة أثارت حيرة المراقبين بالنظر إلى أن حديث أوباما خلال حملته الانتخابية وحتى أسابيع قليلة مضت كان يركز على استراتيجية جديدة تقوم على زيادة عدد القوات للقضاء على طالبان ، فما الجديد الذي طرأ وغير هذا الموقف ؟، ولماذا فاجأت واشنطن الجميع بالدعوة لمؤتمر دولى حول أفغانستان في 31 مارس بمشاركة الدول المجاورة بما في ذلك إيران؟.
الإجابة تجد نفسها في عدة أمور من أبرزها ، خيبة الأمل التي خرج بها أوباما من زيارته لكندا الشهر الماضي والتي كانت تعتبر الزيارة الخارجية الأولى له منذ تنصيبه في 20 يناير الماضي .
أوباما كان يعول على إقناع كندا بزيادة عدد قواتها في أفغانستان ، إلا أنه قوبل بحائط صد رافض تماما لمثل هذا الأمر، حيث أعلن رئيس الوزراء الكندي ستيفن هاربر أن بلاده والولايات المتحدة وقوات حلف شمال الأطلسي تخوض حربا غير مجدية ضد حركة طالبان ، قائلا :"لن نستطيع أبدا هزيمة طالبان ، كندا لن ترسل المزيد من القوات لهذا البلد ".
صفعة قيرغيزستان
أيضا ، فإن استراتيجية أوباما الجديدة في أفغانستان تلقت ضربة مباغتة ومن مكان ليس في الحسبان تماما ألا وهو قيرغيزستان التي قررت فجأة إغلاق قاعدة مناس الجوية الأمريكية التي تستخدم كمنصة انطلاق لعمليات القوات الأمريكية ضد حركة طالبان وتنظيم القاعدة. وكانت السلطات القيرغيزية قد سلمت في 20 فبراير الماضي إخطارا للسفير الأمريكي في بشكيك يتضمن قرارا نهائيا بإغلاق قاعدة مناس ، وذلك بعد ساعات قليلة من مصادقة الرئيس كرمان بك باكييف على القرار الذي اتخذه البرلمان في 19 فبراير بأغلبية 78 صوتا ضد صوت واحد حول تأييد اقتراح باكييف في 3 فبراير بفسخ الاتفاقية الموقعة مع واشنطن لاتخاذ مطار مناس في العاصمة بشكيك قاعدة للقوات الجوية الأمريكية.
هذا القرار اعتبر بمثابة إجهاض مبكر لخطة أوباما حول زيادة عدد القوات الأمريكية في أفغانستان بنحو 17 ألف جندي ، كما أنه كان رسالة قوية من روسيا بأن في استطاعتها تهديد القوات الأمريكية أينما كانت .
فالقرار جاء بعد اجتماع باكييف مع نظيره الروسي ديمتري ميدفيديف في 3 فبراير ، حيث وعدت موسكو قيرغيزستان بمساعدات مالية كبيرة ، مقابل الموافقة على إغلاق قاعدة مناس ، وهى هنا كانت تسعى لتحقيق عدة أهداف من أبرزها حرمان واشنطن من القاعدة العسكرية الوحيدة في آسيا الوسطى التي تعتبرها موسكو مجالا حيويا لها ومصدرا للطاقة لا ينضب ، كما أنها حذرت أوباما مبكرا من أن الاصرار على نشر منظومة الدرع الصاروخية الأمريكية الجديد في بولندا والتشيك بالقرب من حدودها سينتج عنه منع الامدادات عن القوات الأمريكية في أفغانستان وبالتالي تعرضها للهلاك ، حيث أنه لم يعد أمام واشنطن سوى استجداء موسكو للسماح بمرور الامدادات عبر أراضيها.
ورغم أن أوزبكستان وطاجيكستان أعلنتا استعدادهما للسماح بمرور الامدادات عبر أراضيهما إلا أنهما اشترطتا أن تكون غير عسكرية ، وبالتالي لا يوجد بديل أرخص وأسهل سوى موسكو لنقل الامدادات العسكرية ، خاصة وأن الاعتماد على القواعد الأمريكية في الخليج العربي سيكون شاقا ومكلفا للغاية وهو أمر لاتحتمله الميزانية الأمريكية في ظل الأزمة المالية الحالية.
وهكذا فإن واشنطن باتت عرضة للابتزاز الروسي طالما يصر أوباما على الاستمرار في أفغانستان ، ويبدو أن هذا الأمر لا يصب في مصلحة أحد سوى حركة طالبان ، حيث أن العلاقات الروسية الأمريكية تشهد فتورا كبيرا وتحتاج إلى شهور وربما سنوات لكي تتحسن وتقدم موسكو بالفعل مساعدات حقيقية لواشنطن الغارقة حتى أذنيها في أفغانستان .
هجمات دموية
طالبان تسيطر على مناطق واسعة بأفغانستان
أيضا فإن قرار قيرغيزستان جاء بمثابة هدية مجانية لطالبان لتشديد الخناق على الناتو والقوات الأمريكية خاصة وأنها بصدد تكثيف هجماتها ضد تلك القوات مع ذوبان ثلوج الشتاء وقدوم فصل الربيع ، وما يزيد مأزق واشنطن في هذا الصدد أن طالبان توعدت خلال الأيام الأخيرة بأن 2009 سيكون الأكثر دموية للقوات الأجنبية في أفغانستان ، محذرة أوباما من مغبة تكرار أخطاء سلفه بوش وقبله السوفيت والبريطانيين ، ولم تكتف بالتصريحات فقط ، بل إنها قامت أيضا بإجراءات على أرض الواقع ، حيث شنت في 11 فبراير الماضي عدة هجمات انتحارية بالقرب من وزارتي العدل والتعليم في كابول وكلتا الوزارتان تقعان بالقرب من القصر الرئاسي الذي تحميه قوات أمريكية.
الهجمات أسفرت عن مصرع 19 شخصًا وإصابة نحو 50 آخرين ، وكانت رسالة دموية قوية جدا خاصة وأنها جاءت قبل يوم زيارة المبعوث الأمريكي الجديد لأفغانستان ريتشارد هولبروك الذي عينه أوباما للإشراف على تنفيذ استراتيجيته التي تنطلق من أن أفغانستان هى الجبهة الأساسية في الحرب على ما يسمى بالإرهاب وذلك على نقيض سلفه جورج بوش الذي كان يرى فى العراق نقطة الانطلاق لتلك الحرب.
الرسالة الدموية السابقة تضاف للتقارير التي تحدثت عن سيطرة طالبان على ما يقرب من 72 بالمائة من الأراضي الأفغانية بعد استعادتها السيطرة على معظم الأقاليم الأفغانية خاصة فى الجنوب والشرق كما أنها باتت أقرب لاستعادة السيطرة على العاصمة كابول في ظل ضعف حكومة الرئيس حامد قرضاي وانعدام كفاءة الجيش الأفغاني وانشغال قوات الناتو بتأمين نفسها بعد تعرض قواتها لخسائر فادحة في هجمات طالبان ، فضلا عن فشلها في تأمين ممرات التمويل والإمداد التي تمر عبر الحدود الباكستانية بسبب هجمات طالبان باكستان المتواصلة ضد قوافل الناتو ، بل ويتردد أيضا أن حركة طالبان تتحكم الآن فى ممر خيبر على المنطقة الحدودية مع باكستان وقامت بقطع طريق الإمدادت الخاصة بقوات الناتو.
ومن الأمور التي تخدم طالبان أيضا أن إدارة أوباما تشعر بغضب كبير تجاه حكومة الرئيس حامد قرضاي التي فشلت فى جهود إعادة الإعمار على مدار ثمانية أعوام رغم أنها حصلت خلالها على دعم وتأييد المجتمع الدولي ، حيثت تلقت نحو 150 مليار دولار، وذلك فى إطار اتفاقية "بون" التي تم توقيعها فى ديسمبر 2001 بألمانيا، دفعت الولايات المتحدة ما يقرب من ثلثها، ولم تسفر جميعها عن أية نتائج ملموسة ، فالجيش الأفغاني لا يتعدى قوامه 70 ألف جندي ويعاني من نقص حاد فى الإمكانات والتأهيل ، وبالرغم من الخطط الأمريكية لمضاعفة عدد الجيش الأفغاني وزيادة تأهيله، إلا أن ذلك يواجه بعقبة كبيرة تتمثل في أن تطوير الجيش الأفغاني يتطلب أموالاً باهظة وهذا أمر يصعب تأمينه فى ظل الأزمة المالية العالمية ، بالإضافة إلى أن الثقة باتت مفقودة بين وانشطن وحكومة قرضاي ، ولذا فإن طالبان باتت متاكدة أن الوقت في صالحها وأن الإطاحة بالحكومة الحالية في كابول لن يتأخر كثيرا.
ويبقى الأمر الأهم وهو أن الولايات المتحدة تحتفظ حاليا بـ 31 ألف عسكري في أفغانستان، منهم 14 ألف عنصر يعملون في إطار قوة الإسناد والدعم الأمني الدولية (إيساف) بقيادة حلف شمال الأطلسي (الناتو) وقوامها 51 ألف عسكري ، ورغم وجود كل تلك القوات إلا أن هذا لم يمنع هجمات طالبان ، بل إنه زادت حدتها ووتيرتها وجاء عام 2008 ليكون الأكثر دموية للقوات الأجنبية بعد مقتل 300 جندي من عناصرها ، وأمام هذا الفشل شرعت القوات الأجنبية في القتل العشوائي للمدنيين للتغطية على خسائرها ، الأمر الذي أدى لمضاعفة الاستياء الشعبي ضد أمريكا والناتو والالتفاف أكثر وأكثر حول طالبان ، وبالتالي فإن زيادة عدد القوات الأمريكية لا يخدم واشنطن بقدر ما يخدم طالبان ، ففرصة صيدهم من قبل مقاتلي طالبان والأفغان الغاضبين ستكون أكبر كلما زاد عددهم وكثرت تحركاتهم.
والخلاصة أن استراتيجية أوباما الخاصة بزيادة عدد القوات الأمريكية كان ينتظرها الفشل الذريع ولم يكن أمامه من خيار إلا الحوار مع طالبان لوقف دوامة العنف في تلك الدولة المسلمة التي باتت تعرف في التاريخ بأنها "مقبرة الإمبراطوريات" .


محيط - جهان مصطفى

ليست هناك تعليقات: