الأحد، ٢٢ مارس ٢٠٠٩

ثقافة السلام عندنا وعند إسرائيل ـ د. عبدالله الأشعل



السفير د. عبدالله الأشعل : بتاريخ 21 - 3 - 2009
عندما ترك الجنود اليهود غزة بعد المحرقة فى يناير 2009 تركوا على الحائط عدداً من الكتابات كقولهم "جئنا لإفنائكم"، كان كاهانا على حق (وكاهانا هو الإرهابى اليهودى الذى قتل أكثر من 40 من المصلين فى الفجر فى المسجد الإبراهيمى فى الخليل منذ سنوات) كما وجدوا لعنات على رسولنا الكريم وإسماعيل هنية. وتقول الكاتبة الإسرائيلية أميراهاس فى مقالها فى هآاريتز يوم 17/3/2009 أن مراكز البحوث فى إسرائيل تسجل كل صغيرة وكبيرة ضد اليهود ومقابرهم فى العالم فى سجل محاربة السامية وتقيس معدلات هذه المشاعر المناهضة لليهود. وإذا كانت أجهزة الإعلام الإسرائيلية لديها حساسية فائقة تجاه كل ما يعادى اليهود، فإنها تقصد كل حساسية تجاه إساءة لعرب إسرائيل والضفة الغربية، ولايعدم الجيش الإسرائيلى الأعذار لتبرئة جنوده من جميع جرائمهم، وأن الشكاوى مصطنعة. وما كان للجنود أن يكتبوا ذلك لولا أنهم يدركون تشجيع الحكومة بقيادتهم على الفتك بالفلسطينيين، كما أن ما يكتبونه هو بحق فهمهم لمهمتهم فى غزة. وتحفل برامج الإعلام والثقافة والتعليم فى إسرائيل بالكراهية والاحتقار للعرب والفلسطينيين وتصورهم على أنهم متوحشون معتدون على الشعب اليهودى "المسالم" ولذلك لم تجد المنظمات العنصرية صعوبة فى تبرير جرائمها فى فلسطين.وقد رأينا كيف أن قيادة إسرائيل السياسية والعسكرية قد كرمت الجنود الذين قاموا بإحراق غزة واعتبرتهم نموذجاً للبطولة والشجاعة.تلك هى ثقافة السلام التى تربى عليها الشعب الإسرائيلى الذى يعتبر تاريخ اغتصاب فلسطين هو تاريخ استقلال الدولة العنصرية، فما هى ثقافة السلام التى يريد بثها فى العالم العربى؟ وما هى ثقافة السلام التى تشيع فعلاً فى العالم العربى؟ وكيف يمكن تصور سلام بين الطرفين مع كل هذا التناقض بين المفاهيم والمدركات؟.تريد إسرائيل للعالم العربى أن يسلم بكل مقولاتها فى فلسطين، بأنها دولة نشأت على تراث الأجداد وأنها دولة ديمقراطية مسالمة وأن يوم ولادتها هو يوم استقلالها وأن المقاومين لاغتصابها إرهابيون وأن هيمنتها على المنطقة مكافأة لها على قوتها وتقليم أظافر المنطقة. وتدرك إسرائيل جيداً أن إقرار المنطقة بكل هذه المقولات لايرجع إلى قناعتها بذلك، ولكن السبب الحقيقى هو قهر المنطقة على هذا الإدراك وأنه لو توفرت القوة اللازمة للمنطقة لانقضت على إسرائيل بعد تراكم كل دواعى الانتقام وتلال القهر التى أنزلتها بهذه المنطقة وسكانها. ولذلك فإن الحديث المتكرر عن أمن إسرائيل هو تعبير عن أزمة إسرائيل واليهود النفسية والتى لاعلاج لها حتى فى هذه الظروف التى تغلبت فيها إسرائيل على كل المنطقة ولا تكف عن إبادة سكانها كلما استطاعت إلى ذلك سبيلاً. وثقافة السلام التى تريدها إسرائيل هى تسامح العرب مع جرائمها والاعتراف بها وبهيمنتها على المنطقة.أما ثقافة السلام العربية فهى أن نسمى الأشياء بأسمائها الحقيقية وهى أن المشروع الصهيونى قد اغتصب فلسطين وأن يوم قيام إسرائيل هو بداية النكبة وأن العرب يقبلون بقيام إسرائيل على حدود 1967 بشرط أن تقوم إلى جوارها دولة فلسطين، وهذا الحد الأدنى لن يتحقق. والمعلوم أن الحوار الوطنى الفلسطينى قد تناول القضايا الأساسية فى هذا الموضوع وكان الانقسام واضحاً بين تيارين الأول يريد أن تعترف حماس بكل ماتريده إسرائيل بدءاً بالاعتراف والثانى يرى أن ما تريده إسرائيل يجب أن يتحقق بثمن تدفعه للفلسطينيين وألا تقدم لها الاعترافات بها دون أن تعترف هى بحقوق الشعب الفلسطينى.وفى ضوء تقدم المشروع الصهيونى، فإن أغلب الظن أن العالم العربى لم يتفق على نوعية ثقافة السلام، وأظن أن المشروع العربى للسلام يقدم نموذجاً للتسوية التى يمكن البناء عليها كثقافة سلمية، دون تحريف الوقائع التاريخية ولكن ذلك كله يتطلب أن تكون إسرائيل مسالمة، ولكن المؤشرات فى إسرائيل تجعل إسرائيل المسالمة أمراً أقرب إلى الخيال منه إلى الواقع.فى ظل ذلك، فإن الدعوة إلى التسامح بينما إسرائيل تربى أبناءها على فنون الإبادة، سوف تفضى إلى خلل خطير فى النظرة المتبادلة التى تواجه أزمة طاحنة منذ عام 2006 فى لبنان، و2009 فى غزة، والصورة الإجرامية التى بدت بها إسرائيل وجنودها "البواسل" فى فنون الإبادة.


المصريين

ليست هناك تعليقات: