الثلاثاء، ٢٦ مارس ٢٠١٣

ثالوث الفتنة ف مصر
ثالوث الفتنة
الثورة المضادة في مصر تتكون من مثلث له ثلاثة أضلاع متماسكة ومترابطة. إذا أردنا ضرب هذه الثورة المضادة وهزيمتها فينبغي فك هذا التحالف، وربما يتحقق هذا بضرب ضلع واحد فقط من أضلاعه الثلاثة ليتصدع ثالوث الفتنة وينهار الضلعان الباقيان.

الضلع الأول : سياسي ويتمثل في جبهة الإنقاذ الوطني وبعض نوادي القضاة وبعض القوى والائتلافات السياسية الصغيرة.
الضلع الثاني: مالي يقوم بتمويل هذا الثالوث ويجذب إليه روافد وأطرافا جديدة، ويقوم عليه بعض رجال أعمال نظام مبارك، ورموز الحزب الوطني المنحل، وبعض الدول العربية الحانقة على الثورات العربية والخائفة من تأثيراتها على أنظمتها وعروشها.
الضلع الثالث: القوة على الأرض ويقوده جيش من البلطجية (يقدره البعض بثلاثمائة ألف بلطجي) كان تحت إمرة وزارة الداخلية ثم انتقل إلى الحزب الوطني قبيل الثورة. يعاون هذا التنظيم جيوب فاسدة في الأجهزة الأمنية المختلفة.

التفصيل:
الضلع الأول حيوي للغاية ولا تقوم للثورة المضادة قائمة بدونه، إنه يمثل الغطاء السياسي الذي يعطي واجهة مقبولة إقليميا ودوليا، كما يوفر ستارا لعمل الماكينة الإعلامية الضخمة التي يوفرها الضلع المالي، والتي لا تستطيع أن تعمل بدون هذا الستار السياسي. هذا لا يعني أن الواجهة السياسية كلها متآمرة، بل بها وجوه وقوى صغيرة انضمت تحت جذب التسهيلات الهائلة، ووطأة كراهتها التاريخية للتيار الإسلامي، كما أنها تضم "أفرادا" وطنيين شرفاء غير منتبهين للصورة الكاملة التي يعملون تحت مظلتها.

الضلع المالي هو الذي يوفر مئات الملايين – وربما بضعة مليارات – شهريا، لتشغيل الآلة الإعلامية الجبارة المتمثلة في عشرات القنوات والصحف ومواقع الإنترنت (بعض مقدمي برامج التوك شو يتقاضون عشرات الملايين سنويا)، كما يوفر مبالغ مماثلة لتجييش البلطجية عبر شبكة من المقاولين ورموز الحزب الوطني المنحل. تقارير كثيرة منشورة في مواقع غربية تتحدث أيضا عن تمويل إقليمي فاعل لهذه الأنشطة الهدامة ولشراء ذمم شخصيات سياسية وإعلامية وفنية نافذة.

الضلع الثالث: تنظيم البلطجية الذي ضم إليه بعد الثورة عشرات الآلاف من الفقراء والمعوزين وأطفال الشوارع ليعطي صورة التظاهرات الشعبية عند اللزوم. هذا التنظيم جاهز للتحرك خلال ساعات من تلقيه الأوامر المركزية. وكان الحزب الوطني قد وضع تنظيم البلطجية تحت قيادته تحسبا لأي اضطرابات شعبية كانت تحذر منها بعض التقارير قبل الثورة، وكانت تتوقع أن تندلع بسببها "ثورة جياع"، وتصور النظام السابق أن تنظيما من البلطجية المدعومين بقوى أمنية كفيل بقمع تلك الثورة المحتملة. كثير من النشطاء والمراقبين في المحافظات المختلفة يشيرون إلى أن للتنظيم مفاتيح ورءوسا يتحكمون فيه عبر شبكة من المقاولين، ومدعومين بظهير أمني وتطمينات بأن بعض النيابات ستضمن الإفراج عن أفراد هذا التنظيم حال توقيفهم أو القبض عليهم ولو كانوا في حالة تلبس.

تفكيك الثالوث:
ينبغي أن يتم تجهيز خطط تفصيلية للتعامل مع كل ضلع من الأضلاع الثلاثة لفك هذا التحالف، خطط سياسية في المقام الأول.
ولعل أضعف هذه الأضلاع وأقربها للتفكيك والضرب هو الضلع السياسي. لقد تسربت أخبار كثيرة عن خلافات قائمة بالفعل في جبهة الإنقاذ، وفي بعض دوائر الإعلام المساند. ويظهر من هذه التسريبات أن الجناح اليساري هو أشدها حماسة للثورة المضادة (وربما بسبب عداوته الأشد للمشروع الإسلامي). إن محاولات جادة لجذب الشخصيات الواقعة في أطراف وهوامش هذا الضلع (كبعض رموز حزب الوفد وبعض الشخصيات الوطنية في حزب الدستور)، مع سياسات وقرارات رادعة لرموزه الأكثر تطرفا (وكثير منهم تلاحقهم بالفعل ملفات عديدة بين يدي النائب العام)، ستكون كفيلة بتصدع هذا الضلع وانهياره وزواله. إذا ارتفع الغطاء السياسي عن رءوس الفتنة، فإنهم سيجدون أنفسهم في العراء وسيعودون للانكماش والكمون والتربص من جديد.

ملاحظتان أخيرتان:
الأولى: ثالوث الفتنة له رءوس وله أدوات وأطراف. إن اللهث وراء الأدوات والأطراف لن يجدي شيئا، لأنها ستكون كالنبت السرطاني، إذا قضيت عليه سينبت غيره. هذه الأدوات مثل الصحفيين والإعلاميين والبلطجية، فهؤلاء كلهم مرتزقة إذا كشفت بعضهم أو حتى قضيت عليهم سيحل غيرهم مكانهم. إن المواجهة ينبغي أن تكون مع الرءوس المدبرة والممولة.

الثانية: إن شق الصف الإسلامي هو أكبر معين للثورة المضادة، لأنه ببساطة يرفع نصرة الله تبارك وتعالى وتأييده عنا، وهي سنة ماضية لا تتحول ولا تتبدل (ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم). إن كل من يشيع الفرقة والخلاف في التيار الإسلامي إنما يضرب في أساس الحركة الإسلامية كلها، ويقدم خدمة تطوعية لثالوث الفتنة من حيث لا يدري، ولا يغني في هذا أي تأويل مهما كان.

د. محمد هشام راغب
https://www.facebook.com/Dr.M.Hesham.Ragheb

ليست هناك تعليقات: