الخميس، ١٢ أغسطس ٢٠١٠

اللعبة الخطرة للكنيسة

كتب الدكتور حسن نافعة أمس مقالا في المصري اليوم يعلق فيه على المانشيت الذي نشرته المصريون قبل أيام عن دعوة يتداولها شبان على موقع الفيس بوك تدعو للتظاهر من مسجد النور احتجاجا على مواقف للبابا شنودة اعتبروها مضرة بالوحدة الوطنية ومهينة للمشاعر الإسلامية ، وهاجم نافعة تلك الدعوة بعنف بالغ ، وهو محق في ذلك بلا ريب ، وأنا أضم صوتي إلى صوته في خطورة مثل هذه الدعوات ، وأن البلد لا تتحمل ظروفها الآن مثل هذا اللعب بالنار ، ولكني كنت أتمنى من الدكتور نافعة ، وهو بالمناسبة من أنبل الشخصيات السياسية في مصر الآن ، ومفعم بالإخلاص والحب لهذا الوطن والرغبة في إصلاحه والحماس لمستقبل أفضل له ، كنت أتمنى أن يشمل كلامه كل دعوة إلى التظاهر على خلفية طائفية وانطلاقا من دور العبادة ، لا أن يكون تعليقه فقط على الدعوة لتظاهر المسلمين منطلقين من مسجد النور أو غيره من المساجد غضبا لما اعتبروه جارحا لمشاعرهم ، لماذا سكت الدكتور نافعة كل هذه الشهور هو وغيره من المثقفين عن المظاهرات الطائفية الصاخبة التي تخرج من الكنائس ، وبعضها توجه إلى الأزهر أثناء أزمة "كاميليا شحاتة" الأخيرة لولا تدفق قوات الأمن وفرضها كردونا مشددا في المنطقة ، لماذا سكتنا عن مثل هذا "اللعب بالنار" الذي كان يحدث بصفة شبه منتظمة ، وعلى خلفية أي مطلب ولو كان ساذجا ، سواء إسلام مواطنة أو الاستيلاء على مساحات ضخمة من الأراضي لضمها إلى كنيسة أو بناء كنيسة جديدة بالمخالفة للقواعد والإجراءات المتبعة ، حتى أصبح من الواضح أن الكنيسة الأرثوذكسية تستخدم المظاهرات الطائفية والخروج إلى الشوارع كأداة ضغط على السلطة من أجل الرضوخ لمطالبها ، ومن المحال تصور أن يكون هذا المسلسل المتتالي رغما عن البابا شنودة ، وإنما هو برضاه إن لم يكن في بعض الأحوال بتوجيهه ، وكم قلنا من قبل أن اللعب بهذا الأسلوب خطير جدا ، لأنه سيمنح الأطراف الأخرى جميعها الحق في اللعب بنفس الورقة ونفس المنطق ، والخروج إلى الشوارع والتظاهر على خلفيات دينية أو طائفية ، لأن الشارع ليس ملكك وحدك وإنما هو ملك الآخرين أيضا ، هل كان من الضروري أن يستشعر الجميع قرب تحرك مواطنين مسلمين للتظاهر بأعداد ضخمة في الشوارع وبالقرب من الكنائس الكبرى من أجل أن يدركوا أن "هذه اللعبة الخطيرة" ينبغي أن تتوقف ، وأن الدولة التي تراخت في مواجهة هذا الابتزاز المتتالي إنما تفتح الباب واسعا أمام الفتنة كي تطل برأسها في الشوارع ودور العبادة ، ألم نتحدث ويتحدث غيرنا مرارا يا دكتور حسن عن أن الدولة التي أصدرت قانون "منع التظاهر في دور العبادة" تبارك بوضوح انتشار التظاهر في دور العبادة "المسيحية" بينما تقمع ذلك في دور العبادة الإسلامية ، في المساجد وحتى في الأزهر ، هل القوانين أصبحت تفصل على خلفيات طائفية أيضا ، وهل يمكن أن نمضي في ظنوننا بعيدا في هذه النقطة خلف ما يتردد عن أن اللعبة الطائفية ممتدة إلى استحقاقات التوريث المفترضة ، ومراجع دينية كنسية كبيرة تسرب أخبارا ومعلومات عديدة عن "خطوط اتصال" مفتوحة مع شخصيات رفيعة في الحزب الوطني هي في قلب ملف التوريث منحتها "شيكا على بياض" لتنفيذ مطالبها الطائفية مقابل دعم ملف التوريث ، وأنها تتدخل لإرغام أجهزة الدولة الرسمية على الانصياع لأي مطالب تريدها الكنيسة أو يأمر بها البابا ، حتى أصبح الناس يشعرون أن البابا تحول إلى "رئيس جمهورية موازي" أو أن الكنيسة تحولت معه إلى دولة داخل الدولة ، لها سيادتها على "مواطنيها" رغما عن الدولة المصرية ومؤسساتها وقوانينها ودستورها ، وتأتي الأوامر والتوجيهات الغامضة للأجهزة الأمنية والإدارية بتنفيذ إجراءات معينة رغم مخالفتها للقانون والدستور وحتى الإنسانية ، يا دكتور حسن دعوتك نبيلة وأضم صوتي وصوت كل حريص على سلامة هذا الوطن وأمنه وأمانه إليها ، ينبغي أن يتم الضرب بيد من حديد على أي تظاهرات طائفية ، تخرج من الكنائس أو المساجد ، وأن يتم توقيف أي محرك لها سواء كانوا رجال دين أو نشطاء عاديين ، بشرط أن يكون الجميع سواء أمام القانون وأمام النظام ، ومن كانت له مطالب فعليه أن يسلك الطرق القانونية ، سواء من خلال أجهزة الشرطة أو النيابات المختصة أو القضاء أو حتى المجالس النيابية ، أما هذا العبث الذي يمارسه بعض رجال الكنيسة الأرثوذكسية الذين اعتادوا تهييج شباب الأقباط ودعوتهم للنزول إلى الشوارع والكنائس والتظاهر لتحقيق مطالب طائفية ، فهو ـ بصراحة كاملة ـ دعوة للنزال الطائفي من خلال الشارع ، بكل ما تتحمله هذه الدعوة من عواقب خطيرة .

جمال سلطان
gamal@almesryoon.com

ليست هناك تعليقات: