الأحد، ٢٠ ديسمبر ٢٠٠٩

عندما يصبح الترشيح للرئاسة فى مصر جريمة!


اللافت للنظر أن الحزب الوطنى يصر على أن المنافسة حرة وأنه تمكن من مصر فى ظل هذه المنافسة الحرة وأن العيب على الآخرين الذين لم تتوافر لهم كفاءة الفوز فى هذه المنافسة. ولذلك ظل اتهامنا للحزب الوطنى بـأنه يحتكر كل شئ فى مصر وأنه اختزل مصر كلها وشعبها ومواردها وتاريخها فى حزب واحد حتى ظننا أن أعضاء الحزب الوطنى معصومون من الحساب يوم القيامة ولكن تبين أن الحزب الوطنى مصر ليس فقط على أن يبقى فى السلطة بتزوير إرادة الناخبين وإنما أن يمنع المصريين أصلاً من الترشيح مادامت اللجنة العليا للانتخابات تمثل الحزب الوطنى ولايجد الحزب غضاضة فى أن يصر على أنها لجنة مستقلة ومحايدة وفقاً لنص الدستور، كما لا يجد حرجاً فى أن يمعن فى إيهام المصريين بأنهم هم الذين وافقوا على الدستور وهم الذين يجب أن يلتزموا بأحكامه وعدم الخروج عليه، رغم أنه يعلم الحقيقة أنه فصل تفصيلاً لأغراض خاصة ولم يشترك فى الاستفتاء عليه سوى أعضاء الحزب الوطنى الذين ينوبون عن كل المصريين. ويبدو أن الحزب الوطنى مصر بشكل واضح على أنه هو الذى يقدم المرشحين الأصليين والمرشحين الديكور لإستكمال العملية الانتخابية "الديمقراطية" فقد واجه الحزب بكل ما يملكه من نيران الغضب والرفض إعلان الدكتور البرادعى ترشحه لمنصب الرئاسة فى إشارة واضحة إلى أن أحداً غير الحزب الوطنى لايصلح له. وقد تركنا موقف الحزب الوطنى فى حيرة بسبب حدة موقفه ونقده المر للبرادعى وفهم من ذلك أنه إذا كان شخصية بحجم البرادعى تنهال عليها الطعان رغم نوبل وقلادة النيل فما بالنا بمن يرشح عارى الصدر. المقطوع به أن الحزب الوطنى يمارس إرهاباً لمنع الترشيح أصلا مما يدل على أن الإرهاب الأكبر إذا استمر المرشح أو إذا خاض الانتخابات وهذا يعنى بوضوح بعيداً عن الاتهامات لهذا الحزب بأنه قد استولى على السلطة فى انقلاب غير دموى ولكنه مستعد لإراقة الدماء لكل من تسول له نفسه أن يتجرأ بمجرد النظر إلى هذا المنصب ناهيك عن الترشيح له ولذلك فإننى اعتقد أن إستيلاء الحزب الوطنى على السلطة بالتزوير يعنى أنه احتل الشعب المصرى وأن هذا الاحتلال الوطنى يجب أن يزول ولاعبرة لما يردده الحزب من مصطلحات جوفاء وكان أشرف له أن يعلن أن التجربة الديمقراطية قد فشلت على يديه لإستحالة صلاحية الشعب المصرى للديمقراطية كما أكد رئيس وزراء مصرللرئيس بوش منذ سنوات وهو ما دفع الرئيس بوش إلي أن يظهر استخفافاً واضحاً بالشعب المصرى وقيادته وأن يصرف النظر تماماً عن جدوى السعى إلى الديمقراطية فى مصر. ويظن المتابع لرد الفعل أن خطأ ما قد ارتكب، أو أن ترشح البرادعى أو غيره يعتبر عملاً إجرامياً أو انتهاكاً جسيماً أو أنه عمل يجرى تجريمه رسمياً أو أنه عمل إرهابى ضد الشعب المصرى. وإذا كان ذلك هو ما ينويه الحزب الوطنى ولكنه يشعر بالخجل فالأولي به أن يعلن صراحة أن النظام فى مصر لاعلاقة له بالديمقراطية لأن أوهام الديمقراطية هى التى أغوت البرادعى واستهوت غيره إلى هذه اللعبة التى ظن أنها مفتوحة ولم يدرك أنه يتجرأ على "مقدسات المصريين" ولعل حدة الاعتراض على ترشيح البرادعى ترتبط بالبرادعى نفسه مما يدعو إلى محاولة تفسير هذا الموقف. فهل كبر على الحزب الوطنى وقيادته أن يترشح البرادعى رغم حصوله على قلادة النيل التى تلزمه بالعفاف عن النظر إلى هذا المنصب الذى سبق أن كرمه وأن يقضم اليد التى امتدت له بالإحسان وهو ماعبر عنه النقاد بالفعل. أم أن هذه الحدة والاتهام بالعمالة لصرف نظر القراء عما يحوم حول النقاد من هذه الصفة لأن التبعية لأمريكا فى العالم العربى أصبحت فخراً عند الحكام وليس سبب النكبة. أما التفسير الثالث فهو رسالة إلى غيره. ولكن عندما هدأت موجة النقد وأطلع الناس على العلاقة الأمريكية للبرادعى ظنوا أنه مدسوس وأن نقد الحزب له من قبيل استدعاء شعبيته وظن الناس أن هناك صفقة بين البرادعى والحزب برعاية واشنطن خصوصاً وأنهم لمحوا ترحيباً متحفظاً به من جانب الإخوان المسلمين، وارتفعت اسهم الشائعات بعد أن رفع البرادعى السقف إلى السماء وأصر على تعديل الدستور لعدم ثقته فى جدوى الأحزاب السياسية.

وخلاصة القول أننا نأمل أن يكون طموح البرادعى مهما ارتبط به من شائبات هو تعلق الشعب المصرى بالتغيير ولكننا نأمل أن يكون التغيير إلى الأمام وليس دورة جديدة من دورات الضياع والإرهاق لهذا الشعب الصابر.

السفير د. عبدالله الأشعل

ليست هناك تعليقات: