الأربعاء، ٢ يونيو ٢٠١٠

إسرائيل تحت الحصار

لم تكن إسرائيل تشعر بأنها محاصرة من العالم كله مثلما هي الآن ، هذه هي الحقيقة التي تلخص لنا المشهد الحالي ، الاضطراب السياسي بدأ يظهر في الكيان الغاصب والحديث عن "الفضيحة" التي ارتكبها الجيش الإسرائيلي بدأ يتسرب إلى وسائل الإعلام ومطالبات وصلت إلى حد تنحي رئيس الوزراء ، العجرفة التي كانوا يتحدثون بها عقب العملية بدأت تتراجع ، من ألقوا القبض عليهم وزعموا محاكمتهم قرروا خلال يوم واحد إطلاقهم جميعا ، نتانياهو الذي أعلن بعد نصف ساعة من العملية أن زيارته إلى الولايات المتحدة في موعدها رغم العملية وتوابعها ، عاد وأعلن بعدها أنه تم إلغاء الزيارة ، والمؤكد أن إلغاءها كان بطلب من "أوباما" الذي شعر بالورطة التي وضعه فيها "الصهاينة" وأحرجوه بها أمام العالم ، المظاهرات انتشرت في العالم كله حتى في أمريكا ضد الهمجية الإسرائيلية ، الصهاينة ظلوا قرابة نصف قرن يعملون على صناعة صورة يتم تسويقها بصفة منتظمة في العالم عن "إسرائيل" واحة السلام والحرية والإنسانية والبراءة وسط جيران عرب وحوش ، وأن العالم بذلك مدين بحماية ودعم إسرائيل "المسالمة والحرة" أمام هؤلاء الوحوش ، هذه الصورة النمطية التي كانت راسخة في الخيال العالمي ـ مع الأسف ـ تتراجع الآن بقوة ، لتحل محلها صورة دولة "نازية" باطشة لا تعرف أخلاقا ولا آدمية ، وتسفك دماء الأبرياء بكل برود وصفاقة ، المفارقة الخطيرة أن قافلة الحرية كانت تحمل ـ ضمن من تحمل ـ أحد اليهود ضحايا النازية ، وهم الذين كانت تتاجر بهم إسرائيل وتقبض التعويضات بمئات المليارات ، مبتزة أوربا بذلك ، إسرائيل سحقت ضحايا النازية أيضا ، وأعادت ممارسة بعض ممارسات النازيين القدامى ، الهمجية الإسرائيلية أنتجت تغييرا استراتيجيا في غاية الأهمية والخطورة ، وهو دخول "تركيا" على خط المواجهة المباشر مع إسرائيل ، تركيا الكمالية كانت ترتبط تاريخيا بصلات وثيقة مع إسرائيل برعاية أمريكية وهناك علاقات أمنية وسياسية وديبلوماسية واستخبارية وعسكرية واقتصادية معقدة ، بدأ كل ذلك يتفكك الآن ، وتحولت تركيا من "حليف" إلى "عدو" ، والجميع لاحظ خطاب وزير الخارجية التركي ولغته وكذلك خطاب أردوغان العنيف أمام البرلمان والذي كان ملخصه أن على الآخرين إدراك أن "غضب" تركيا يمكن أن يضر إضرارا كبيرا بمن كانوا "أصدقاء" بالأمس ، وحذر من اختبار "صبر" تركيا ، وأعلن أن الحادثة الأخيرة دفعت تركيا إلى "تبني" قضية غزة وتحريرها ورفع الحصار عنها ، هذه لغة لم نسمعها من القيادات العربية ذاتها حتى قيادات الصمود والتصدي ، وترافقت التصريحات مع اجتماعات تركية طارئة كانت لها رمزية واضحة حيث ضمت رئيس الجمهورية ورئيس أركان القوات المسلحة التركية ورئيس الاستخبارات ومدير الأمن العام وقادة الجيوش ، هذه الأجواء جعلت الاتصالات لا تنقطع خلال اليومين الماضيين بين الإدارة الأمريكية والقيادات التركية ، الناشطون في مختلف أنحاء العالم أعلنوا أنهم يعدون قوافل جديدة ستبحر إلى غزة وتتحدى إسرائيل وجيشها من جديد ، وهناك سفن أخرى تقترب الآن بالفعل من هناك وتحذر أيرلندا من مساس إسرائيل بسفينة مواطنيها ، هذا طوفان من الغضب والتحدي يحاصر إسرائيل الآن ، ولن تستطيع أن تتحداه أو تجابهه كما لن تستطيع الاستمرار في لعبة التهديد لأنها ثبت أنها عديمة الجدوى ، كما لن تستطيع أن ترتكب حماقة أخرى على النسق الذي حدث مع قافلة الحرية ، مرة أخرى لا بد من التأكيد على أهمية توجيه سهامنا إلى "العدو" ولا نبعثر طاقاتنا في تصفية حسابات قديمة مع حاكم أو نظام ، ومن أحسن نقول له أحسنت ، فكل قرار إيجابي لا بد من دعمه وتشجيعه بدلا من نشر الوساوس حول دوافع القرار ، فأيا كانت الدوافع ، فإن خطوة فتح معبر رفح إلى أجل غير مسمى خطوة إيجابية ومشكورة وفي الاتجاه الصحيح ، وإن تأخرت ، ونضغط من أجل أن تستمر ، لا بد من أن تتعاضد كل الجهود لإحكام الحصار العالم على "دولة الشر"!!

ليست هناك تعليقات: