السبت، ٢٦ يونيو ٢٠١٠

الحكومة والمعارضة فى مصر




مصر بحكم الدستور المصرى دولة عربية نظامها ديمقراطى ولكن خصائص النظام الديمقراطى ليست مطبقة فى مصر، لأن حرية التعبير لا يقابلها الاهتمام بهذا التعبير، بل إن الحكومة تتخير من مفردات هذا التعبير ما يحقق العقاب لمن تجرأ فنقد وكان يتعين عليها أن تستفيد من النقد فتصحح. والديمقراطية فى أبسط مظاهرها هى وجود معارضة قوية تتمتع بحرية الحركة والتعبير وتنافس الحكومة على السلطة فى انتخابات تضمن للمواطن معرفة المرشحين بشفافية وحرية اختيار من محققا لآماله.
ونستطيع أن نقول أن سيطرة الحزب الوطنى على مفاصل الدولة وإصراره على البقاء فى السلطة بكل طريق حتى بالتزوير هو غصب للسلطة واستمرار للاشرعية، ويجعل من المستحيل تداول السلطة. يترتب على ذلك أن أى ناقد أو معارض أوساع إلى التداول يعتبر فى نظر الحزب عدو يريد أن ينقض على السلطة التى يريد الحزب تأبيدها، ويصبح الحديث عن المنافسة من أجل التداول بالانتخاب فى نظر الحزب مؤامرة لاغتصاب السلطة توجب مطاردة صاحبها.
فالمصريون عند الحزب الوطنى قسمان، إما معه بالتأييد والدعم حتى رغم كل ما يعانوه المصريون تحت حكمه، وإما ضده. ويدخل فى الفئة الثانية كل معارض لمواقف وسياسات ونتائج سنوات هذا الحزب وأسلوب إدارته للبلاد. فتعمد الحكومة إلى مطاردة المعارض فيحرم من وسائل الحياة وتغلق أمامه أبواب النشر والقول كلما اسطاعت إلى ذلك سبيلاً وتوحد أمامه الوظائف التى للحكومة يد فيها, ولما كان الخلط تاما بين ما هو ملك للدولة وما ملك للحزب، يحرم المعارض من جوائز الدولة وإعلام الدولة بما فيها صحف الحزب القومية. إن النظام الديمقراطى أو شبه الديمقراطى هو النظام الذى يحتفظ للمعارضة بدورها فى المنافسة على السلطة، ويتولى السلطة من يرى الشعب أنه الأقدر، لا أن يحجز السلطة للأبد ويزور إرادة الشعب وهو يعلم مدى ما سببه له من آلام وأنه مستمر فى السلطة رغم أنفه.
ثقافة النظم المستبدة تقضى بالقضاء على المعارضة، لأن النظام يتلبس جسد الوطن، فكل معارض للنظام هو بالضرورة معارض للوطن، ولذلك فإن كل نقد للنظام هو خروج على واجب الولاء للوطن. وإذا كان النظام يفهم أن السلطة منصب عام ملك للشعب وهو الذى يعطيه ويسلبه ممن يشاء، لكان الشعب هو الحاكم، وكان الحاكم هو الخادم لرغبات الشعب.
فى مثل هذه النظم يصبح الحزب الحاكم معسكراً يتمتع أعضاؤه بالمميزات غير المشروعة، ويصبح أى نقد لهذا الوضع معكرا لصفو الأمن العام، ويصبح الأمن هو أداة إسكان الآهات أو الهمهمات، لأن النظام فى هذه الحالة غير قادر على الاقناع بمواقفه، وعندما يتسع نطاق الفساد يشتد التبرير أحياناً والتستر والقمع فى معظم الأحيان، والاستخفاف بعقول الناس فى أحيان أخرى، ولكن فى كل الأحيان يصبح السيطرة على الأمن وليس العقول والقلوب هو الأهم، ويصبح مهمة الأمة ثقيلة، ولا مفر من صدام بين الأمن والشعب مادام الشعب مصرا على الديمقراطية، ومادام الأمن مصرا على بقاء السلطة وحمايتها من التدوال.
وإذا كان الرئيس السادات قد رأى أن المعارضة هى من صنعه وأنها خرجت عن إطار الآداب الواجبة بين الوالد وأولاده، فتلك نظرة لم تعد تصلح لدولة كبيرة العدد مثل مصر مع كل فرص التواصل التى أتاحتها العولمة.
لا مفر من تغيير ثقافة المعارضة، فالمنصب العام ملك الشعب، والمعارضة جزء من النظام، وكلما كان النظام شفافاً وحسن النية كلما كان أكثر قبولاً لقواعد التداول والمنافسة مع المعارضة على كسب عقول الناس وقلوبهم بدلا من الحلول محلهم فى الاختيار.
إن النظام الذى ينصب نفسه لايخلق معارضة بل يشجع على المقاومة، لأن الفارق هائل بين التواجد الشرعى والغصب، كما أن النظام بغير معارضة فعالة لايمكنه أن يزعم بأن له علاقة بالديمقراطية ناهيك عن أن زعماء الحزب الوطنى يزهون بأن مصر تشهد "أزهى عصور الديمقراطية"، ولن يتحقق ذلك بالفعل إلا إذا قبل الحزب الوطنى حقاً وقولاً مبدأ التداول الشريف للسلطة، وأن السلطة ملك للشعب وليست عقاراً للبيع والشراء والميراث.


د-عبدالله الأشعل

ليست هناك تعليقات: