السبت، ١٦ أكتوبر ٢٠١٠

دور ألمانيا النازية.. هل يمكنك ان تنقل ستة ملايين يهودي الى فلسطين؟

دور ألمانيا النازية.. هل يمكنك ان تنقل ستة ملايين يهودي الى فلسطين؟

نصر شمالي
الوقائع الإبادية، الفردية والجمعية، التي يواجهها شعب فلسطين ببسالة منقطعة النظير منذ حوالي قرن، والتي ليس آخرها دهس الأطفال بالسيارات، هي تنفيذ لقرار جمعي رسمي أوروبي أمريكي، نصّ على إقامة الكيان الإسرائيلي على أرض اعتبروها خلاءً، وقد شاركت في تنفيذ القرار ألمانيا النازية، وإيطاليا الفاشية التي يفاخر اليوم رئيسها المافيوي برلسكوني بأنّه إسرائيلي. أمّا بريطانيا فقد نابت عن الجميع في مرحلة التأسيس، وما المجازر المتواصلة ضدّ الفلسطينيين إلاّ تنفيذ للاتفاق الإنكليزي الصهيوني اليهودي، الذي نصّ على تسلّم فلسطين خالية من السكان. وأمّا الذي استجدّ مؤخّراً فهو الاستعانة بالنظام الرسمي العربي لتحقيق هذا الهدف، بعد أن عجز الصهاينة اليهود وغير اليهود عن تحقيقه.
بعد صدور وعد بلفور عام 1917 صرّح حاييم وايزمان، أول رئيس للكيان الإسرائيلي، بما يلي: 'لقد اتفقنا مع الإنكليز على أن نتسلّم فلسطين خالية من السكان'. وبما أنّ فلسطين ليست 'خالية من السكان'، كما يعرف المجرمون جيّداً، فقد كان ذلك التصريح يعني إخلاءها لاحقاً، ويبرّر إخلاءها لاحقاً، فإذا لم يتمكّن الانتداب الإنكليزي من فعل ذلك فسوف يفعله المتهوّدون المرتزقة القتلة، الذين أعماهم الجشع، وقست قلوبهم فهي كالحجارة بل أشدّ قسوة.
في العام 1917 لم تكن النازية الألمانية ظهرت رسمياً بعد، ولا الفاشية الإيطالية، ولكنّ تصريح وايزمان كان عنصرياً نازيّاً فاشياً بامتياز، وبالتالي فليس غريباً ولا مفاجئاً أنّ الحركة الصهيونية اليهودية اعتمدت بالفعل على النازيين والفاشيين في مرحلة التأسيس، ونسّقت فعلاً مع الحكومة الألمانية الهتلرية لإقامة الكيان الإسرائيلي على أرض فلسطين. وهذا التنسيق ليس مجرّد تكهنات، بل هو اتصالات ومراسلات واتفاقات موثّقة رسمياً.
في الثلاثينيات والأربعينيات الماضية كان الصراع ضارياً بين العواصم الإمبريالية حول السيادة العالمية. وكانت القاعدة الإسرائيلية المزمع إقامتها في فلسطين موضوعاً من مواضيع الصراع، حيث الحكومة الألمانية النازية تطلعت بدورها إلى امتلاكها. ففي العام 1939 أعدّ المسؤول الألماني شاخت مشروعاً لهجرة منتظمة ليهود ألمانيا إلى فلسطين، ولنقل أموالهم معهم. وقد تفاوض حول ذلك مع المسؤول الأمريكي رابلي، ومع موظفي بنك سيتي في لندن، لكنّ الإنكليز والأمريكيين أفشلوا المشروع الألماني لأسباب مفهومة. وبعد ذلك صرّح شاخت عبر خطاب عام قائلاً: لقد أضاعت القوى الغربية فرصة عظيمة برفضها مشروعاً كان يحظى بدعم هتلر وتأييده، ولو قبلته لما أصيب يهودي ألماني واحد.
كانت الحكومة الألمانية النازية تعوّل على النازيين اليهود الصرحاء، من أمثال جابوتنسكي وبيغن وشامير، من أجل امتلاك المشروع الإسرائيلي في فلسطين بعد انتصارها في الحرب. لكنّ القيادات الأهمّ في الحركة الصهيونية اليهودية، من أمثال وايزمان وبن غوريون ومائير، كانت موالية للندن وواشنطن، وهي بدورها قيادات نازية منذ ما قبل ظهور النازية الألمانية، كما رأينا في تصريح وايزمان. وجدير بالذكر أنّ تحالف الدول الغربية بقيادة لندن وواشنطن لم يكن يختلف في جوهره وفي ممارساته وفي أهدافه عن تحالف دول المحور بقيادة برلين. ولو انتصرت دول المحور لكان الحلفاء الغربيون متهمين بجميع التهم وبارتكاب جميع الجرائم التي نسبت إلى المحور بعد هزيمته. وللتدليل على ذلك نورد بعضاً من المواقف الموثّقة للقيادة الصهيونية الموالية للحلفاء عن اضطهاد اليهود في ألمانيا النازية:
أولاً: لم تقدّم قيادة الحركة الصهيونية اليهودية أيّة مساعدة مادية لمن اعتبروا ضحايا النازية الألمانية، وكذلك لم تسمح لأيّة جهة أن تقدّم لهم أيّة مساعدة من أيّ نوع كان. ثانياً: أخفت المعلومات التي كانت ترد إليها من داخل ألمانيا حول المعتقلات ومعسكرات السخرة، وعندما تضطرّ إلى إعلان خبر ما، كانت تفعل ذلك بطريقة تشكّك بصحة المعلومات، أو تقلّل من أهميتها وخطورتها. ثالثاً: اعتمدت القيادة الصهيونية اليهودية مبدأ الانتقاء والاختيار في هجرة اليهود الألمان، فهي التي تقرّر من يهاجر ومن لا يهاجر، حيث هي تريد الأثرياء والشباب. فإذا كانت الهجرة من ألمانيا تعني الحياة، والبقاء فيها يعني الموت، فإنّ القيادة الصهيونية كانت تقرّر من يعيش ومن يموت. رابعاً: لم تبذل القيادة الصهيونية اليهودية أيّ جهد من أجل قبول اللاجئين اليهود في مختلف دول العالم، بل راحت تضع العراقيل في وجه جهود الآخرين. خامساً: قامت بعمليات تحريض واسعة النطاق ضدّ يهود ألمانيا، وضدّ اليهود في البلدان الأخرى تحت الاحتلال الألماني، وذلك باستعداء النظام الهتلري ضدّهم من خلال الإعلان في واشنطن ولندن، وفي فلسطين التي يحكمها الإنكليز أيضاً، عن مواقف استفزازية ضدّ السلطات الألمانية.
لقد صرّح حاييم وايزمان، في تلك الأيام بالذات، بما يلي: أبلغت اللجنة الملكية البريطانية أنّ آمال ستة ملايين يهودي في أوروبا تتركّز في الهجرة. وجواباً على سؤال اللجنة: هل يمكنك أن تنقلهم إلى فلسطين؟ أجبت: كلاّ. سوف يموت الطاعنون في السنّ متحمّلين قدرهم، أو غير قادرين على تحمّله، فهم سقط المتاع اقتصادياً وأخلاقياً في عالم ظالم. لن ينجو منهم سوى عدد ضئيل، وعليهم أن يتقبّلوا قدرهم هذا.
غير أنّ الجذر النازي للحركة الصهيونية اليهودية يصبح أشدّ وضوحاً عندما نعود إلى العام 1933، لنجد وزارة الاقتصاد الألمانية تعقد اجتماعاً (في 8/8/1933) يشترك فيه الصهيوني هوفمان، مدير بنك أنكلوفلسطين، وممثلون عن مؤسسة هانوتيا الاستيطانية اليهودية في فلسطين، حيث أبلغ وزير الاقتصاد الألماني ذاك المدعو هوفمان استعداد حكومته لتوسيع الأساس العام للاتفاق المعقود مع شركة هانوتيا بهدف منح اليهود الألمان المهاجرين إلى فلسطين إمكانيات أكبر لنقل ثرواتهم، وفي الوقت ذاته تعزيز تصدير السلع الألمانية إلى فلسطين المحتلة.
وفي ما بعد ورد في نشرة لوزارة الخارجية الألمانية النازية، تاريخها 22/6/1937، ما يلي: حتى الآن كان تشجيع هجرة اليهود من ألمانيا، كي تبلغ الحدّ الأقصى، هو الهدف الأساسي للسياسة الألمانية. وبغية تحقيق هذا الهدف تقدّم ألمانيا التضحيات حتى في سياسة القطع الأجنبي. وعن طريق اتفاقية تحويل مع فلسطين (اتفاقية هاعفارا) يسمح لليهود المهاجرين إلى فلسطين بالحصول على ترخيص بتحويل مبالغ محدّدة، على شكل صادرات ألمانية إضافية. إنّ هذا الموقف الألماني يشجع عملياً اليهود في فلسطين، ويسرّع بالتالي في تطوّر دولة يهودية، وقد يساهم في تعزيز وجهة النظر القائلة بأنّ ألمانيا تؤيّد إقامة دولة يهودية في فلسطين. وفي 27/1/1938 وردت ملاحظة عابرة في مذكّرة تخصّ نائب مدير دائرة السياسة الاقتصادية الألمانية، تشير إلى رأي أدولف هتلر في موضوع الهجرة اليهودية. تقول الملاحظة: إذا كان الفوهرر قد قرّر أن يتواصل توجيه المهاجرين اليهود نحو فلسطين فإنّ أيّة مناقشة لاحقة تغدو غير ضرورية.
لقد كان موقف ألمانيا النازية، في عدائها لليهود وفي دعمها لاستيطانهم فلسطين، لا يختلف في جوهره عن مواقف بريطانيا والولايات المتحدة وبقية الحلفاء. ولعلّ الفضل الأساسي يعود إليه في إقامة الكيان الصهيوني، وذلك بما أتاحه من بناء اقتصاد إسرائيلي قوي (لا تزال ألمانيا تشدّ من أزره بسخاء حتى اليوم) وبتسهيلاته لأصحاب رؤوس الأموال اليهود لنقل أموالهم إلى فلسطين المحتلة، ناهيكم عن أعداد المهاجرين الألمان ودورهم المتميّز، ولذلك كانت الحركة الصهيونية اليهودية (النازية حقاً) تبارك عداء الألمان، وتجد فيه دعماً لمخططاتها ضدّ أولئك اليهود المعترضين، فهي تعرف جيداً أنّ معظم اليهود الألمان ما كانوا ليرحلوا من ألمانيا إلاّ مكرهين، وإذا رحلوا فليس إلى فلسطين.

' كاتب سوري
ns_shamali@yahoo.com

ليست هناك تعليقات: