الاثنين، ٥ أبريل ٢٠١٠

أنصاف تخرج من محبسها

عادت "أنصاف" إلى عائلتها بعد 12 عاما قضتها في بيت اللواء السابق والمحامي الحالي. متلعثمة تتكلم بصعوبة فقد عاشت كل هذه المدة التي عملت خلالها خادمة بلا تواصل إجتماعي مع من حولها. تؤمر فتؤدي عملها. لا تعرف شيئا عن أجرها، أخبرها بأنه يضعه لها في دفتر توفير في البريد.

عملت بلقمتها كما قالت لمن أحاطوا بها عندما أحضرتها الشرطة بمعرفة النيابة إلى المستشفى الذي يرقد فيه والدها مريضا، لتخيرها بين البقاء معه أوالعودة إلى بيت سيادة اللواء!

كان يمكن لأنصاف أن تعيش بقية عمرها في الحبس المنزلي الذي انقطعت خلاله عن الشارع والناس وأخبار أسرتها. علمت لأول مرة عندما جاءوا بها للمستشفى أن أمها سبقت أباها إلى غرفة الطوارئ، وظلت تمني نفسها برؤية "أنصاف" حتى فاضت روحها.

غريب جدا أن تعيش في نفس القرية وتجهل موت أمها. لو كانت "أنصاف" معتقلة في جوانتنامو لعلمت!

قصتها فيها عبرة و كثير من الأسئلة. نبدأ بالعبرة وهي أن الحق لا يضيع إذا وجد من يطالب به، فالضعيف غير المسنود يتحول إلى قوي جدا بتكاتف الناس وتألمهم لجراحه.

فبعد نشر قصة "أنصاف" واعتقاد البعض بأنها "خيالية".. ربما لأنه يبدو مدهشا ومثيرا للاستنكار أن يتخذ شخص في هذا العصر مهما علا نفوذه، جارية يمتلكها ويتملكها، قام أحمد الدسوقي المقيم في السعودية بتوكيل المحامي الأستاذ أسامة البحيري، لمتابعة القضية وإطلاق "أنصاف" من محبسها.

خلال أربعة أيام فقط استطاع البحيري الوصول إلى مكانها في مركز منية النصر دقهلية، والقيام باستصدار أمر من النيابة باحضارها والاستماع إليها، ثم ذهبو بها للمستشفى لترى أباها وأشقاءها بعد 12 عاما كاملة، كانت وقتها طفلة في الثامنة عندما أخذها المأمور لتعمل خادمة في بيته.

اختارت البقاء مع أسرتها، لكن اللواء أصر على الرجوع بها، مما دفع الأستاذ البحيري إلى طلب الكشف الطبي الذي أثبت أنها عذراء.

نترك العبرة إلى الأسئلة الكثيرة التي لابد أن يثيرها الإنسان العادي أمام حالة غير عادية.

الفتاة في التحقيقات قالت "لم يحتجزني ولم يجبرني على البقاء بغير رغبتي"؟!.. هل يمكن الموافقة على هذا الكلام بسهولة، أم أنها أجبرت مسبقا على قوله.. ولماذا عندما تم تخييرها بين البقاء في بيته أو الذهاب مع أهلها، اختارتهم معللة ذلك بأنها حرمت منهم طويلا.. هل توجد نفس سوية تصر برغبتها على الحرمان من رؤية الأم والأب والأشقاء 12 عاما؟!

إذا قبلنا ذلك فهل نتقبل رفضها لرؤية أمها وهي تحتضر؟!.. ثم لماذا لم يحترم اللواء رغبتها في اختيار الأهل، وأين هو دفتر التوفير الذي كان يضع فيه أجرها طوال 12 عاما؟!

السؤال الأخير.. أليس اجبار طفلة في الثامنة على العمل المنزلي في خدمة آخرين والحرمان من أمها وأبيها، انتهاك صارخ للطفولة ولكل المعايير الانسانية التي تحدد للعامل الرشيد اجازة اسبوعية وأخرى سنوية ووقتا للدوام وآخر للراحة؟!

لا يجب اغلاق الموضوع عند هذا الحد.. ليت المحامي البحيري يكمل جميله فيتابع رفع دعوى قضائية لكشف الخفايا ، فموضوع شائك كهذا لا يجب أن يمر بسهولة شديدة على طريقة "عفا الله عما سلف"!

وفي النهاية أتقدم بالشكر لجبهة علماء الأزهر التي أصدرت بيانا على موقعها بمجرد نشر المقال الذي تناولت فيه حكاية "أنصاف".. آن الآوان للتكاتف جميعا بشجاعة لحماية إنسانية الإنسان المصري الذي يتميز بالابداع والابهار إذا عاش أجواء الحرية ونال أبسط حقوقه.

ليست هناك تعليقات: