السبت، ١٤ نوفمبر ٢٠٠٩

إنها معركة الكرامة يا "حنظلة

تابع العرب خلال الثماني والأربعين ساعة الماضية وقائع معركة 14 نوفمبر بالصوت والصورة بين العربيتين الكبيرتين مصر والجزائر. أناشيد يا أهلا بالمعارك.. والموت موتك يا شهيد.. والأرض بتتكلم عربي.. وأنا على الربابة بأغني.. والله أكبر.. وبلادي بلادي.. ومين يعادينا مين.. إلى آخر المخزون الاستراتيجي من الأغاني والمارشات العسكرية لحربي 67 و 73 وثورة الجزائر!!
للأسف الشديد كنت أتصورها تسالي عيال لا يقدرون فداحة الموقف ولا يدركون حجم الاساءة التي يلحقونها بنا في الغرب وأمام الأمم الأخرى، وذلك الذي يفعله العيال يقع فيه الكبار، فإذا الأمر لا يقتصر عليهم. الكبار أيضا تصوروا أنهم جنرالات معركة الكرامة والوطنية، لدرجة أن وزير الرياضة الجزائري أصر أن يكون ضمن بعثة الجزائر في الدبابة – أقصد الباص- الذي أقلهم من المطار للفندق على مسافة مائتي متر، مفضلا أن يموت بين جنوده، متمثلا بالقادة العسكريين الأفذاذ من أبناء ثورة الجزائر التي استمرت 132 عاما، بل وزاد عليهم أنه قاتل بيدين خاليتين من أي سلاح سوى قدراته الفذة أن يمسك بالسائق بفتونة مهارية عالية لا تقدمها أكثر الأكاديميات العسكرية تقدما، حتى أنه وحسب ما قال سائق الباص في تحقيقات النيابة مزق قميصه في لمح البصر وأوقف كابح الباص، حتى لا يتحرك به، طالبا منه فتح الأبواب، فيما السائق مذهولا فكيف يفتحها والمفاتيح مع معالي الوزير التي أخرجها من مكانها كأنه عفريت خارج من الفانوس!
الوزير الجزائري يقابله رئيس الاتحاد المصري الذي وصل على عجل إلى الفندق، رافضا الاجابة عن أي سؤال للصحفيين عن إمكانية تدخل الأمم المتحدة ومجلس الأمن والجامعة العربية، فيما كان السفير الجزائري يقف في مكان آخر يذيع بيانات عسكرية عن الموقف، وفي الجزائر تتخذ قوات الأمن احتياطات غير عادية حول السفارة المصرية لمنع أي أعمال إنتقامية مضادة!
وزارة الخارجية الجزائرية تدين الاعتداء الغاشم الذي تعرض له باص المنتخب الأخضر وتطلب تدخل أبو الغيط وزير الخارجية المصري. المصريون يبدو أنهم توقعوا شيئا ما فنصبوا كاميرات سرية في الباص استطاعت التقاط صور واضحة لقيام اللاعبين الجزائريين بتحطيم الزجاج من الداخل، وظهر وروارة ووزير الرياضة في موقع القيادة لعملية الكوماندوز الاستشهادية!
يصدر قرار من النيابة في الثانية صباح الجمعة باستدعاء الوزير ورئيس الاتحاد الجزائري للتحقيق معهما بشأن اتهامهما بالاعتداء على السائق وتحطيم زجاج الباص، وهنا يتدخل مسئولون على مستوى عال في مصر لمنع تنفيذ القرار، في الوقت الذي يتصل فيه الرئيس بوتفليقة بالرئيس مبارك مطالبا باحتواء الوضع وعدم مثول رئيسي البعثة أمام النيابة وهو ما حدث، قابله تراجع من الجزائريين عن التصعيد للفيفا!
تحذيرات على المنتديات الجزائرية تهدد بالتحرش بالجالية المصرية في الجزائر التي تزيد على 120 ألف نسمة والقضاء عليهم، يضاف إلى ذلك امتناع المصالح المدنية عن انجاز أي عقود لزواج مختلط بين المصريين والجزائريين، وتهديد للاستثمارات المصرية هناك، وأكثرها في خدمات الهاتف المحمول، وعلى المنتديات أيضا تقرأ تهديد بتحريك الجيش الجزائري المرابط على الحدود مع ليبيا بطائراته وغواصاته للقيام بعملية عسكرية انتقامية ضد مصر!
نجل الرئيس مبارك يزور المنتخب المصري ويطلب منه الدفاع عن الكرامة والوطنية بأقدامهم. القنوات الفضائية تذيع فقط مارشات عسكرية وشعارات الوطنية.. لقاءات مع أطفال وبنات وكبار يحملون وطنهم مصر في كفة ودحر المنتخب الجزائري في الكفة المقابلة!
العبث والجهل شغل الناس هنا وهناك.. خيبتنا الثقيلة العربية أنست الجميع ما جرى في قضية مروة الشربيني، أو المسجد الأقصى، أو انسحاب أوباما من وعود خطاب القاهرة التاريخي بخصوص المستوطنات والعلاقات مع المسلمين. فاتت علينا أكاذيبه لأننا نعيش أجواء حرب لم نخضها في تاريخنا العربي المشترك.. إنها معركة الكرامة والحرية والوطنية يا حنظلة.. ولا صوت يعلو عليها!
البعض في ذروة هذه المعركة القبلية تطاول على أصول المصريين والجزائريين وعلى الإسلام كدين. بعضهم كتب بأنه سيرتد عن الإسلام لو اكتشف فجأة أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - من مصر، فالمصريون من أصول الغجر، بينما وصف الطرف الآخر الجزائريين بالبربر الذين لا يستحقون الحياة كعرب!
هذا هو حالنا للأسف الشديد الذي شغلنا به عن حياتنا وشئوننا.. شكرا لدريم والمحور ونايل سبورت والشروق الجزائرية والهداف والبلاد والاذاعة والتلفريون الجزائريين على إدارتهم لمعركة الكرامة، فقد تفوقوا على صوت العرب في حرب 67.
ويا أرض الكنانة.. ويا جزائر المليون شهيد.. لقد أصبحتم أكبر فضيحة في التاريخ!
فراج إسماعيل

ليست هناك تعليقات: