السبت، ١٤ نوفمبر ٢٠٠٩

مباراة الجزائر وفوضى الإعلام الرسمي

قبل ثلاثة أيام كان تامر أمين مذيع القناة الفضائية المصرية يستعرض وصلة وطنية مزيفة وزائدة عن الحد في برنامج البيت بيتك ، وعلى طريقة الجالسين في المقاهي "والمصاطب" وجه حديثه إلى الملايين من مشجعي المنتخب الوطني بأن مشجعي الجزائر حاصروا فندق الفريق المصري في مباراة الذهاب ولم يتركوا اللاعبين ينعمون بالنوم مما أدى إلى هزيمتهم حسب تفسيره الرصين ، ومن ثم طالب جنابه الجماهير المصرية بأن ترد الصاع صاعين ، وزيادة في التحريش نبههم إلى أن عنوان إقامة المنتخب الجزائري هو فندق كذا في مطار القاهرة فاذهبوا إليهم ، وبالفعل ، يبدو أن أحد المشجعين استجاب لنداء تامر بسيوني الوطني ، وذهب إلى الفندق ورشق أتوبيس اللاعبين بحجر وقامت البعثة الجزائرية بتسخين الأمور أكثر فكسروا زجاج الحافلة من أجل تضخيم الواقعة ، واقعة الاعتداء ، وأنا أعذر المشجع المصري المتحمس لأنه استمع إلى نداء من التلفزيون الرسمي للدولة يدعوه إلى التحرش باللاعبين الجزائريين والثأر لفريقه القومي ، فأن يقع منه عنف أو خروج على القانون فالمدان الحقيقي هو التليفزيون الرسمي الذي وصل حدا من الإسفاف والتهريج غير مسبوق ، ودخل في سباق من المزايدات الرخيصة مع الإعلام الرياضي الخاص والأكثر إسفافا وتهريجا ، وبدا أن هناك موجة من التهييج ابتذلت الوطنية وقزمتها في الأمل بالفوز في مباراة لكرة القدم ، وتم بث الأناشيد الوطنية التي تذكرنا بحرب أكتوبر وأعياد الجلاء ، وحتى في الأغاني الوطنية كان شعارها التزوير والتهريج والاستخفاف بالوطن وناسه ، حتى أنهم أتوا بنانسي عجرم اللبنانية الشقراء لكي تغني : أنا مصري وأبويا مصري ولوني مصري ، رغم أنها لا أبوها مصري ولا أمها مصرية ولا لونها مصري ولا أخلاقها مصرية ، ورغم أن المطربين والمطربات الآن أكثر من الهم على القلب كما يقولون إلا أنهم لم يجدوا إلا هذه لكي تقول : أنا مصري وأبويا مصري ، وتحمست بعض الصحف والفضائيات لكي تزف البشرى بأن "الرمز" الوطني الكبير نانسي عجرم أعلنت مناصرتها للمنتخب المصري في مباراته ضد الجزائر ، وبدون شك اعتبروا ذلك "فألا" حسنا مثل فأل صاحبتها هيفاء التي أعلنت أيضا مناصرتها للمنتخب المصري ، وكله طبعا في حب مصر وليس في حب الدولار والتدليل الذي تحظيان به أكثر من عشرات الملايين من أبناء البلد ، المزايدات الرخيصة على الوطن والوطنية طوال الأيام الماضية كشفت عن هوان الإعلام المصري ، وفقدان الوطن للقضية والدور والهم والحضور ، حتى وصلنا إلى أن تكون مباراة في الكرة هي قضية الوطن والأولوية القصوى لإعلام الدولة الرسمي ، ذلك الإعلام الذي وصل في مهانته وتدنيه إلى حد أن يكون المانشيت الرئيس الكبير لجريدة قومية كبرى هو "قطعني يا معلم" في إشارة إلى حسن شحاته المدير الفني للمنتخب المصري ومواجهته للمدرب الجزائري ، ما يحدث يؤكد على اطمئنان أمثال تامر أمين بسيوني ورؤساء تحرير الصحف القومية إلى أن البلد "سايبة" ، ولا يوجد أحد يحاسب أحدا ، وقديما قالوا : من أمن العقوبة أساء الأدب ، أتمنى أن لا تستدرج الجماهير المصرية إلى أصوات العار والإثارة الرخيصة وأن تكون على قدر المسؤولية ، وأتمنى أن يكون هناك دور حاسم وصارم للأمن المصري يردع أي مستهتر في المدرجات ، ويحفظ ما تبقى من كرامة لشخصية مصر في محيطها العربي ، كما أتمنى أن تخرج هذه المباراة بروح رياضية كمنافسة بين أشقاء ، مهما كانت سخونتها إلا أنها منافسة في عالم افتراضي ، عالم الكرة والتسلية ، وإذا كان التوفيق والفوز حليف المنتخب المصري فالمأمول أن يكون أول مهنئيه هي البعثة الجزائرية واللاعبون الجزائريون ، وإذا كان التوفيق حليف أشقاءنا الجزائريين فالمأمول أن تهنئه عشرات الآلاف من أبناء مصر الحاضرين في ميدان المباراة وفي مقدمتهم الجهاز الفني لمصر واللاعبون ، هذا أملي كمواطن مصري .

ليست هناك تعليقات: