السبت، ١١ ديسمبر ٢٠١٠

هل تقرر الانتخابات التشريعية مصير مصر حقاً؟


انتهت انتخابات مجلس الشعب المصرى بالشكل الذى كان متصوراً وهو استمرار هيمنة الحزب الوطنى على المجلس. ولكن هذه الانتخابات وماجرى فيها من كل صور التزوير والبلطجة حتى يحافظ الحزب الوطنى على التصور الذى وضعه مسبقاً لمجلس الشعب يبرز عدداً من الدروس وتجيب على سؤال محورى نبدأ بالإجابة عليه قبل تعداد الدروس التى كشفت عنها هذه الانتخابات. السؤال هو: هل حسمت الانتخابات مستقبل الرئاسة المصرية وحددت مسار الحياة فى مصر للسنوات الست المقبلة على النحو الذى أرادته النخبة الحاكمة؟

أعتقد أن الإجابة تفتح الباب لاجتهادات كثيرة ولا أظن أن الاجابة المباشرة التى قدمها البعض فى الحزب الوطنى هى التعبير عما سيحدث فى مصر. فقد أكد الحزب أن الانتخابات التشريعية هى نهاية التاريخ فى مصر وأنه قرر للشعب مصيره بكل الطرق الممكنة ولكنى أظن أن الانتخابات فتحت الأبواب والاحتمالات على مصاريعها وأثبتت أن نقطة البداية يجب البحث عنها فوراً، لأن مستقبل مصر لن تحدده انتخابات أعدت نتائجها سلفاً.

أما الدروس المستفادة من الانتخابات فهى لاتقع تحت حصر ولكننا نورد أبرزها. أهم هذه الدروس هى أن الحزب الوطنى كان الخصم والحكم وأنه استخدم كل وسائل التزوير والبلطجة، وأنه دعا إلى انتخابات تعهد رئيس الحزب ورموزه جميعاً بأنها ستكون نزيهة وشفافة وأن ما جرى على الأرض يناقض تماماً كافة تصريحاتهم.

هذا المشهد أفقد المواطن المصرى ما كان قد بقى من مصداقية، خاصة وأن الحكومة عجزت عن توفير فرص المنافسة الشريفة للأطراف الأخرى. الدرس الثانى أن القضاء الإدارى يستحق كل التحية بسبب سرعته وصموده ومحاولته التصدي لتوحش الإدارة، ولكن الإدارة التى تصر على البقاء بأى ثمن وغصب السلطة على هذا النحو لاتحترم قانوناً ولاقضاء بل لاتحترم الدستور الذى صنعته.

الدرس الثالث أن المشاركة فى الانتخابات رغم الدعوة إلى المقاطعة لم تكن خطأ بل على العكس كانت المشاركة مفيدة حتى يسقط آخر قناع الوعود الزائفة عن النزاهة ويكتمل المشهد أمامنا.

الدرس الرابع، هو أن المواطن المصرى قد وصل إلى طريق مسدود فالأحوال تتدهور والنظام يستقر وكان المواطن يتمنى أن تساعد الانتخابات فى ظهور قوى تحد من توحش الحزب الوطنى، لكنه يواجه الموقف بمزيد من العجز والانسحاب. ولذلك فإن حث الحزب الوطنى والحكومة على المشاركة فى الانتخابات كان لها معنى واحد وهو المشاركة للتصويت للحزب الذى تكفل بتهيئة كل الظروف لذلك.

الدرس الخامس، هو أن كل توقعات وتحفظات المعارضة على اللجنة العليا للانتخابات قد صدقت وهى التحذير من أن تتحول الي أنها أقرب الي أجهزة الحزب الوطنى. صحيح أن بعض القضاة فى اللجان الأقليمية سجلوا موقفاً شريفاً لكنه شذوذ عن القاعدة.

الدرس السادس، هو ظهور القبضة الأمنية ومشاركة ضباط فى عملية التزوير وحماية البلطجية والسماح لهم وهذا يدعو إلى إعادة النظر فى وظيفة الأمن فى مصر، بعد أن ساهم فى تزوير إرادة الشعب بتعليمات من حكومته، رغم اعتداء بعض أعضاء الوطنى على ضباط لأسباب مغايرة.

فالسياق العام هو تورط القضاء والأمن فى هذه المهزلة، والاستثناء هو ظهور نماذج قليلة فى حوادث فردية منهم من شعر بوخز الضمير.

الدرس السابع، هو أن المجلس القومى لحقوق الإنسان وتصريحات المسئولين فيه لم يختلف عن كونه أحد أجهزة الحكومة وهذا تطور هام فى تقييم عمل هذا المجلس الذى أطالب بإلحاح بإلغائه.

الدرس الثامن، هو أن وقائع الانتخابات كشفت عن انعدام المشروعية لأعضاء المجلس بسبب كل ما شابها من صور التزوير المختلفة مما يدفع الشعب المصرى إلى التساؤل عن الطريقة التى يعبر بها عن حقه فى تقرير مصيره بعد أن أنكر عليه ذلك فى هذه الانتخابات.

الدرس التاسع، هو ظهور فيلق البلطجية وتضاف هذه الظاهرة إلى ظواهر بالغة الخطر سمح بها المناخ العام فى مصر فكانت الانتخابات ساحة خطرة أفزعت القليل من الناس الذين كانوا ينوون المشاركة ولكنهم خافوا على حياتهم خاصة وأن الراغب فى المشاركة معارض للحزب الوطنى، وأدرك أن مشاركته محفوفة بالمخاطر، كما أنها غير مجدية بل وقد يضار من البلطجية ولن يسمح له بالإدلاء بصوته.

هكذا استقر الحزب الوطنى فى معركة افتعلها وأضاع علي الخزينة العامة التكاليف المالية والسياسية والعصبية لمعركة يعرف الجميع أنها من مستلزمات الديكور الديمقراطى ولكن المشاركين أرادوا أن يفرغوا جعبة الحزب الوطنى من آخر مزاعمه حول النظام الديمقراطى وأدرك الجميع أن البرلمان الجديد وليد عملية غير مشروعة من أكثر من مائة وجه، فأصبح برلمان الحزب الوطنى مع حكومته وحزبه ونظامه فى ناحية، والشعب المغتصب كله من ناحية أخرى، ويبقى أن يبحث كل طرف عن طريقه للتعامل مع الطرف الآخر بعد انكشاف كل شئ وسقط الرهان على ما توهمه البعض حسن النية وعدم استباق سوئها حسبما أشار زعماء هذا الحزب.

لا أظن أن معركة الانتخابات الهزلية التى فاز فيها الحزب وسقط فى كل شئ هى التى ترسم مصير مصر على هذا النحو المزرى ،نظام يتمسك بالبقاء تحت عناوين ديمقراطية زائفة وفساد يتزايد ومصر تئن وشعبها يشكو إلى الله انسداد أبواب الأمل فى يوم جديد وقد أصبح كاليتيم في مآدب اللئام.
السفير د. عبدالله الأشعل

ليست هناك تعليقات: