الأربعاء، ٨ ديسمبر ٢٠١٠

وطن مختل عقليًا


إما أن الحكومة تفترض أن الشعب المصرى مجموعة من البلهاء المختلين عقليا، أو أنها مصابة بداء عضال يجعلها ترى هلاوس وضلالات على أنها حقائق.

وفى الحالتين يبدو أن المشهد المصرى انقلب إلى حالة كوميديا زاعقة، بحيث تحول الخطاب السياسى إلى «إفيهات» وقفشات على اعتبار أننا شعب ابن نكتة.

خذ مثلا ذلك الربط العبقرى الذى توصل إليه الدكتور عبد المنعم سعيد بين اصطياد سمكة القرش القاتلة فى شرم الشيخ، وبين اصطياد جماعة الإخوان سياسيا فى بحر الانتخابات الهائج.

وبعيدا عن أنه بعد لحظات من احتفال الدكتور سعيد بالقضاء على القرش الفتاك، كانت السمكة تلتهم ضحية ألمانية جديدة، فإنه يجدر التوقف هنا أمام حالة الدكتور شخصيا، والذى بدأ يتمرد على كونه باحثا أكاديميا من الوزن الثقيل، ليضيف إلى ذلك دور صانع إفيهات سياسية، يشاطر صناع النكتة فى الصحافة الحكومية إضحاك الجمهور.

لكن الأعلى من نكتة سمكة الإخوان، هى تلك النكتة القومية التى تتردد على أوسع نطاق بشأن تركيبة البرلمان الجديد، إذ يصر المنكتون على أنه البرلمان الأوسع تمثيلا لألوان الطيف السياسى المصرى، كونه يضم ممثلين لسبعة أحزاب معارضة إلى جانب جماعة الإخوان.

وأذكر أننى كتبت فى هذا المكان مبكرا عن فلسفة التوسع فى المشاريع الحزبية الصغيرة، لإنتاج عبوات منها صديقة للبيئة واقتصادية للغاية، لكنها فى النهاية تؤدى الغرض الذى أنشئت من أجله، وهو استخدامها فى عناوين من عينة «الوطنى يصارع 15 قرشا حزبيا مفترسا فى مياه الانتخابات» أو « البرلمان الجديد يشتمل على معارضة شرسة من سبعة أحزاب».

ولم أكن أتصور أن الحزب الوطنى العظيم سوف يكد ويتعب لتحويل السخرية إلى واقع على الأرض، ثم يتعامل معه بمنتهى الجدية وكأنه يصدق نفسه، ويريد منا أن نتوحد مع قناعاته اللذيذة ونبدى إشفاقا عليه مما ينتظره من أداء شرس لمعارضته المفترسة.

وفى ظل هذه الأوضاع لابد أنك تحسد معى الدكتور أحمد نظيف على قدرته الخرافية على الانفصال عن الواقع، والتحليق فى فضاءات مطلية باللون الوردى الفاقع مطلقا تصريحات من عينة أنها أفضل تجربة انتخابية فى تاريخ مصر الحديث، مستخدما ترسانة النزاهة والشفافية والحياد الأمنى.

ولأن الله لطيف بعباده وبلاده، لم تعدم مصر قضاة أجلاء محترمين مثل المستشار وليد الشافعى والمستشار أيمن الوردانى ليدلوا بشهادة حق عن المهزلة التى جرت، ويثبتوا أن هذا الوطن لا يزال يتمتع ببصيص من سلامة قواه العقلية.


بقلم:
وائل قنديل
الشروق

ليست هناك تعليقات: