الجمعة، ٢١ يناير ٢٠١١

>غالي: ألف ونصف من الأعوام خير شاهد على التعايش السلمي بين مسيحيي مصر ومسلميها

لا يوجد في مصر جيتو مسيحي وأحياء إسلامية

ملأ قلبي الحزن عشية العام الجديد من الهجوم الإرهابي على كنيسة الأقباط في الإسكندرية الذي خلف 21 قتيلا من أبناء بلدي بصفتي مسيحي ومصري، وما إذا كان هذا العمل الشائن من فعل المصريين أو جماعات إرهابية من خارج البلاد، فإن الهدف منه كان متماثلا بالتأكيد، وهو بذر الشقاق بين المسلمين والمسيحيين في بلد طالما عرف بتسامحه الديني.


هكذا بدأ بطرس بطرس غالي، الأمين العام السابق للأمم المتحدة، والسياسي المصري، مقاله المنشور في جريدة وول استريت جرنال، ويواصل غالي قائلا: "يبدو أن الهجوم يندرج في إطار نموذج أكبر من العنف الموجه ضد المسيحيين في مناطق أخرى في الشرق الأوسط. وبالفعل، أعلنت الجماعات المتطرفة التي تستهدف الأقباط في العراق صراحة عزمها على جلب حربهم ضد المسيحيين إلى مصر، لكن بينما أدى الهجوم الأخير إلى تدفق الغضب بين المسيحيين، فإن مصر -على خلاف بلاد المنطقة الأخرى- امتلكت مناعة ملحوظة في مواجهة الإرهاب. آفة الطائفية.

ويمثل الأقباط في مصر تعداد المسيحيين الأكبر داخل الشرق الأوسط، فهم اليوم يشكلون نحو 10% من التعداد السكان، حيث إن مسيحيي مصر يمارسون حياتهم الدينية بحرية، ويشغلون مناصب قيادية في الحكومة والاقتصاد والحياة العامة. وليس ثمة "أحياء إسلامية" أو "جيتو مسيحي" في مصر.

فالتاريخ المصري -ألف عام ونصف الألف من التعايش السلمي بين المسلمين والمسيحيين مشروع بناء دولة مدنية يرجع تاريخها إلى أوائل القرن التاسع عشر- كان مثالا للتسامح الديني في المنطقة، حيث تجلى ذلك الميراث عقب العام الجديد خلال يوم السادس من يناير في عشية الاحتفالات بالكريسماس القبطي، حيث تجمع الآلاف من المسلمين حول الكنائس في أرجاء مصر كافة، ليكونوا دروعا بشرية لحماية جيرانهم المسيحيين خلال قداسهم، وتزامن ذلك مع مظاهرات ضخمة أمسك خلالها المسيحيون والأقباط القرءان والصليب في انسجام باعتباره رمزًا للوحدة الوطنية.

وتعد قصة عائلتي شهادة لهذا التاريخ، ابتداء بتعيين جدي رئيسًا للوزراء منذ ما يزيد عن قرن، حيث حظيت عائلتي بتقلد مناصب عليا، وهو ما يعد جزءًا من ميراث عريق للخدمة العامة للأقباط، ومضى من بعده أبناؤه -أعمامي- في الانضمام إلى حركة مصر المستقلة، بجوار زعيمها سعد زغلول.

ولا يزال، ليس ثمة شك في أن الأحداث الأخيرة يمكن أن تمثل منعطفا إلى أسوء، فالتوتر المستعر بين الطائفتين الدينيتين الرئيسيتين في مصر يهدد بإزالة ثقافتنا التاريخية في التسامح إزالة دائمة.

وتعد مصر مجتمعًا شديد التدين. وكان ثمة مرتكز للتعددية لدينا، وباتت هذه التقوى تنحصر بالتدريج في شروط حصرية، ويجرى استغلال القنوات الفضائيات ومواقع التواصل الاجتماعي وعلامات ظاهرية للتدين في محو أي حس بالهوية الوطنية.

وبالتأكيد عززت التحسينات التي طرأت في مؤسسات الدولة مبدأ المساواة قبل القانون، غير أن المنافسة على الهوية المصرية قد تحولت إلى المجالين الاجتماعي والطائفي. وتوازى ذلك مع فشل مؤسف من جانب القادة الدينية في التأكيد على القيم قريبة التطابق من الاحترام المتبادل والكرامة الإنسانية في الإسلام والمسيحية.

ويتمثل الحل الوحيد في تعزيز حس المصريين بالمواطنة، وهي هدف طالما كنت شديد الالتزام به من موقع عملي رئيسًا للمجلس القومي لحقوق الإنسان، والذي قطع بالفعل خطوات جادة لإعادة تعزيز الطبيعة المدنية للدولة.

وجرى تعديل الدستور في 2007 لجعل مصر دولة مدنية، بينما يُحظر المنافسة السياسية والحزبية على أساس الديانة وتكريس مبدأ المساواة المطلقة قبل القانون بغض النظر عن الدين والعرق والمعتقد. وقد جرى إدراج الديانة القبطية وثقافتها باطراد في المجال العام، عبر بث الاحتفالات المسيحية الكبرى على التلفزيون المحلي وإعلان عيد الميلاد المجيد يوم عطلة قومي.

ولا يزال أقباط مصر يشغلون مناصب في مستويات الحكومة كافة، من الوزراء إلى السفراء الذين يخدمون خارج البلاد، بجانب أن تراخيص تشييد الكنائس الآن أصبحت سهلة التأمين، بعد أن أصبح المحافظون المشرفون على مثل تلك القرارات. وفي تلك الأثناء، يراجع المجلس القومي مناهج التعليم الحكومية للتأكد من أنها تتوافق مع مبادئ الاحتلال المتبادل والمساواة.

ويمكن عمل المزيد، ويجب على الدولة في خطوة أولى منها إزالة الحواجز المتبقية لبناء وإعادة تجديد الكنائس، بجانب كتابة المجلس القومي مسودة لقانون موحد لبناء دور العبادة، ويجب أن يتحول في أسرع فرصة إلى قانون عبر البرلمان.

أما الخطوة الثانية، فيكمن في زيادة الاختلاف وسط الحكومة، وهو ما سوف يعيد تعزيز قيمة التعددية الدينية بين الشعب، فضلا عن أنه يجب على الأحزاب السياسية ترشيح مزيدًا من المصريين المسيحيين للمناصب التي تشغل بالانتخاب.

ثالثا، يجب على مصر تدشين سياسة لا تتسامح مع العنف الطائفي، ويمكن لمكتب النائب العام إنشاء وحدة خاصة لملاحقة أعمال التمييز والجرائم الطائفية، مثلما عليه الحال في تشريع جرائم الكراهية في الولايات المتحدة، بجانب أن فرض عقوبات صارمة يمكن أن يصبح رادعا، ومثل تلك الوحدة يجب أن ترقب الخطاب الديني التحريضي.

وختاما، العمل على توفير فهم أفضل للثقافة القبطية والمسيحية الذي سوف ينشر التسامح ويزيد الوعي بتاريخ مصر المسيحي الطويل والغني، ويجب أن يكون ثمة دورات تدريبية ضرورية عن التاريخ القبطي في مدارسنا، ويجب أن يمارس الإعلام وظيفة أفضل في تغطية الأحداث القبطية.

إن ميراث التسامح المصري يخضع الآن للاختبار عبر التوترات المتزايدة من الداخل والإرهاب من الخارج، وأبدت بلدي مرونة هائلة على مر التاريخ، ويحدوني الأمل في أن المصريين يمكنهم الوقوف معا لهزيمة آفة التعصب الديني، إنها معركة لا يمكن لمصر ولا المنطقة خسارتها.
الشروق

ليست هناك تعليقات: