الأحد، ٩ يناير ٢٠١١

فاتورة حفلات التعذيب


تعامل الجهاز الأمني مع حادث تفجير كنيسة القديسين يسير حتى الآن في الاتجاه الخطأ والذي قد يعيد البلاد إلى مناخ الثمانينيات والتسعينيات الذي ندعو الله ألا نراه يخيم على مصر مرة أخرى.

بالتوازي مع اتجاه الجهاز الأمني أطلقت الدولة إعلامها الساذج، الرسمي والخاص، بنفس الأسلوب الذي أطلقته على الجزائر في مباراة كرة القدم الشهيرة، غير مقدرة أن السماح بالهجوم على الإسلام والحط من المتدينين عبر برامج التوك شو التي يديرها مجموعة من الجهلة الباحثين عن دور، من شأنه أن يشعل فتنة لا يحتملها الوطن.

فالناس لا تقبل أن يتحقق طلب أحد هؤلاء الجهلة بمنع إعلان الأذان في الصلوات الخمس والغاء بثه إذاعيا وتلفزيونيا. أو الغاء حصة الدين كما طالب رئيس تحرير صحيفة حكومية يومية كبرى، وتدريس حصة دين مشتركة بين المسلمين والمسيحيين!

حملة الإعلام على الإسلام سأتركها لمقال آخر. اليوم أتناول حملة الأمن على المتدينين والتي ترجمها في اعتقالات بالجملة للسلفيين في الإسكندرية، ووضعهم كما صحح لي بعض القراء أمس في عنبر الترحيلات بمديرية الأمن القديمة في اللبان، واستدعائهم على مدار اليوم إلى الدور الرابع المعروف بالسلخانة لتلقي وجبات مريرة وقاسية من التعذيب، انتهت بسيد بلال إلى الموت.

سيد بلال لا تهمة موجهة إليه ولا شبهة فيه سوى أنه يصلي في مسجد قريب من بيته في كوبري الناموس. شاب سلفي أب لطفل عمره ثلاث سنوات يجتهد في البحث عن لقمة عيشه من أجله. لا وقت لديه للسياسة ولا لمطالعة الصحف. ليله في القرآن الكريم الذي يحفظه عن ظهر قلب ونهاره موصول من أوله إلى آخره بحثا عن مال حلال يعود به لإطعام أسرته.

أي جريمة وجدها الجهاز الأمني في ذلك. إنه يبحث عن منفذ تفجير كنيسة القديسين بطريقته التقليدية القديمة وهي التعذيب. وهي طريقة تؤدي لاعتراف أبرياء على جرائم لم يرتكبوها ولم يسمعوا بها إلا من الإعلام. ستريح الأمن بإغلاق الملف، لكنها ستترك الباب مفتوحا لجرائم جديدة لأن المجرم سيظل طليفا آمنا من الملاحقة.

هذا يفسر أن جهازنا الأمني أقل الأجهزة في المنطقة في العثور على الجناة. كل ما نقرأه عن فاعلين تم ضبطهم يتضح لنا أنهم جاءوا بالاعتقال الجماعي بناء على الشبهات أو الملفات الموجودة في أدراج ذلك الجهاز والتي يتم استدعاؤها بعد كل جريمة أو عملية إرهابية.

حل هذه المعضلة لا يكون بالاستمرار في التعذيب الذي سيؤدي إلى تفريخ أو خلق جماعات جديدة للانتقام من المجتمع ككل. جماعات لا تجد أمامها وسيلة سوى الهجوم على السلطة ومناطحتها بأعمال عنف ثأرية كما كان يحدث في التسعينيات والثمانينيات.

لابد من الإعتراف بأن الجهاز الأمني تنقصه الامكانيات التكنولوجية والتقنية والتدريبية التي تنتنج قدرات حقيقية في ضبط المجرمين الحقيقيين وملاحقتهم، وما زال يعتمد على أسلوبه المتبع منذ أربعينيات وثلاثينيات القرن الماضي، وقد كان في ذلك الوقت أفضل حالا من الآن، لكنه مع التعذيب والاستنطاق بالعنف في الثلاثين سنة الأخيرة، افتقد لقدرات حقيقية على ملاحقة وضبط المنفذين الحقيقيين للجرائم الإرهابية والجنائية.

ما زال منفذ أو منفذو جريمة ذبح عدة أسر ليلا في إحدى قرى مركز بني مزار بالمنيا قبل عدة سنوات مجهولا حتى الآن. فقد أفلت لأن جهاز الأمن ضيع وقته ومجهوده في حفلات تعذيب لشاب متخلف عقليا حتى اجبروه على الاعتراف بجريمة لا يفهمها، ولولا براعة المحامي طلعت السادات لالتفت المشنقة حول رقبته.

الجهاز الأمني يضيع وقته في حفلات التعذيب الجماعي للسلفيين الذين اعتقلهم في الإسكندرية. ويبدو أن معالم الجريمة ضاعت تماما فقد استغرب المحققون أن كل أثارها التي يمكن أن تدل على الفاعل اختفت تماما من مكان الحادث بعد دقائق وأثناء تزاحم الهاربين من الكنيسة بعد الانفجار.

والغريب أن يتم تسريب نتائج البحث أولا بأول إلى الإعلام.. مثل العثور على نصف وجه أو نصف رأس أو قدمين.. ثم إعلان أنه تم تحديد مكان بائع السبح والمصاحف الذي كان موجودا أمام المسجد المواجه للكنيسة لحظة الإنفجار والذي قال الشهود إن جسده تقطع إلى أشلاء.

عندما تبين للأمن أنه ما يزال حيا في بلده بالمنصورة، تم تسريب الخبر إلى الصحافة وكأنه فتح عظيم!

حفلات التعذيب قد تخرج لنا شخصا يتلبس الجريمة ويشيلها.. لكنها تريح المجرم ومن وراءه وتدعهم يفكرون في هدوء في جريمتهم القادمة.

والأخطر أنها ستؤدي إلى خلق جماعات عنف رغبة في الثأر أو لاحساسها أنها مجبرة على ذلك لملاحقتها بلا سبب أو مبرر سوى التدين أو أداء فروض الدين. ذلك سيؤدي في المستقبل القريب إلى فتنة طائفية حقيقية وفوضى أمنية لأن الذين يعذبون، سيثأرون من الأقباط ومن الدولة.

لم يكن من الحصافة أبدا أن يستدعي مسئول أمني كبير في الإسكندرية شقيق سيد بلال ومحاميه ليطلعهما على خطاب الاعتقال الذي سينفذه إذا لم يسحبا البلاغ ضد أمن الدولة.

هذا المسئول الكبير ليس لديه وعي سياسي أو إجتماعي بالضريبة الكبيرة التي يمكن أن يدفعها المجتمع من أمنه وسلامة بلده نتيجة لهذا لأسلوبه الخالي من كل علوم الشرطة التي يجب أن تكون خادمة وساهرة على سلامة الوطن وقانونه.
فراج إسماعيل
arfagy@hotmail.com

ليست هناك تعليقات: