الثلاثاء، ٦ أكتوبر ٢٠٠٩

الشيخ والمنقبة! ـ فراج إسماعيل

رغم أن شيخ الأزهر الدكتور محمد سيد طنطاوي نفى أنه أمر طالبة في معهد أزهري إعدادي بنزع نقابها، وسخر منها بعد أن رأى وجهها بأنها ليست جميلة، فإنني للأسف الشديد أميل إلى تصديق الرواية الصحافية، لما خبرته عن عصبية طبع الشيخ وردود أفعاله التي لا تتفق مع مكانة منصبه الجليلة ومع شخصه كفقيه وعالم أزهري كبير وصل لأعلى المرتبات العلمية في تخصصه.
للشيخ حوادث عديدة اشتكى أصحابها من سوء معاملتهم، فقد شوهد مثلا يطارد إمرأة ذهبت إليه في مكتبه تشتكي أمرا، ويبدو أنها قالت شيئا استفزه فجرى وراءها بسيل من السباب والشتائم على مرأى من موظفي الإدارة الأزهرية، وخجل كامل من قيادات مكتبه!
وفي مرة أخرى كانت الزميلة الصحفية جيهان الحسيني تجري لقاء معه في مكتبه، فإذا به يشتمها بألفاظ لا تليق بأي شخص عادي أن يقولها، ويطردها من مكتبه وسط محاولات مستميتة من رئيس الاعلام في الادارة لعلاج هذه المهزلة.
والغريب أن الزميلة جيهان لم تكن صحفية عادية، فهي ابنة شقيق المجاهد الفلسطيني الكبير الدكتور فيصل الحسيني، ومتزوجة من مسئول كبير في وزارة الداخلية في ذلك الوقت الذي تعرضت فيه لاهانات الشيخ.
لكن كله كوم وما تعرض له الزميل أشرف الفقي عندما كان يعمل في مكتب صحيفة الحياة بالقاهرة كوم آخر، فقد كتب تقريرا لم يعجب الشيخ، فأوعز إلى مدير مكتبه أن يستدعيه ليخصه بحوار هام من بين كل الصحفيين الذين يتهافتون على لقاءات معه.
كان ذلك بالطبع مصدر سعادة الزميل وبهجته، فذهب في الموعد المحدد. ما أن تعرف عليه الشيخ حتى أغلق مكتبه باحكام وخلع حذاءه، وعينك ما ترى النور!.. الزميل يحاول النجاة بنفسه، بينما مولانا يسرع وراءه من ركن إلى ركن، فان لم يلحق به رماه رمية حذاء لا تخطئه!
وكان المنظر مفزعا للجميع وهو ينجو أخيرا بجلده والشيخ لا يتوقف عن مطاردته بألفاظ يعاقب عليها القانون. وفي قسم "الجمالية" فوجئ الضابط بالصحفي يطلب تحرير محضر ضد شيخ الأزهر يتهمه بالتعدي عليه بالطريقة التي وصفتها.
بالطبع لم يكن سهلا لأي ضابط أن يمرر محضرا من هذا النوع، فاتصل بقياداته العليا التي قامت بجهود لعلاج الفضيحة انتهت باعتذار من مولانا!
من يقرأ هذا الكلام لن يصدق. مولانا هو شيخ الأزهر، تلك المؤسسة الدينية التي توصف بأنها أكبر مؤسسة سنية في العالم قاطبة، والمفتي السابق للجمهورية.
أحاول جاهدا أن أكون لطيفا لجلال المنصب وجلال مكانة الشيخ العلمية الأزهرية، لكن ما يؤذي المنصب والمكانة أن يستمر على عصبيته بهذه الطريقة، وأن يورط نفسه باجابات على إعلاميين وبمواقف ما كان له أن يفعلها لو تريث قليلا، أو أصغى لأي مستشار حكيم يسديه النصيحة ولا يخشى غضبه.
فهو يصافح الرئيس الاسرائيلي ثم يعقب بأنه لا يعرفه، ثم يسأله الأستاذ حمدي قنديل عن هذه المصافحة في وقت تحاصر فيه غزة فيتساءل الشيخ: هل هي محاصرة.. أنا لا أعرف ذلك. وهل المفروض أن أعرف كل "حاجة"!
لا أطلب هنا عزل شيخ الأزهر كما طلب نائب اخواني اثر واقعة الطالبة المنقبة، فالمشكلة ومنذ عقود ربط المنصب بالقيادة السياسية، وهكذا سيحاول كل من يتولاه أن يكون موظفا بقدر الامكان، فيما عدا قليل منهم في مواقف نادرة لم تكن مؤثرة، لكن هذا القليل على الأقل ابتعد عن التصريح العلني الموالي للقرار السياسي ولسياسة الدولة على طول الخط، وهو الأمر الذي يفعله الدكتور طنطاوي بدون تردد.
إعادة مكانة منصب شيخ الأزهر إلى سابق عهده البعيد وتأثيره على القرار السياسي وليس العكس، يتطلب ابعاده عن تبعية الحكومة تماما، أي أن يتمتع الأزهر بالاستقلالية، فيختار شيخه بالانتخاب من بين هيئة لكبار العلماء ت
تحاسبه إن أخطأ وتملك قرار عزله.
لا أظن أن الحكومة يريحها ذلك، فليس من صالحها أن يكون الأزهر قويا وشيخه مؤثرا بفتاويه وأرائه ومواقفه.

ليست هناك تعليقات: