الاثنين، ١٦ مارس ٢٠٠٩

غباء أميركي وإسرائيلي

كثيرا ما يتررد في وسائل الإعلام العربية، وعلى أقلام كتاب عرب كثيرين، أن الأميركيين والإسرائيليين وأهل الغرب عموما أذكياء جدا وحساباتهم دقيقة، وأنهم لا يقدمون على أعمالهم إلا بعد دراسات علمية وافية.
وأحيانا يحاطون بهالة من النموذجية يظن معها المرء أن العقل العلمي قد وجد في الغرب وإسرائيل، وأن الأمم الأخرى بخاصة العرب يصغرون عقليا أمام هؤلاء الجبابرة. وقد انسحب هذا الأمر على قدراتهم الاستخبارية وجمع المعلومات عن الغير حتى أصبح يخيل أنهم يعرفون ماذا يهمس المرء لقرينه.
لا جدل بأن أهل الغرب وإسرائيل قد طوروا العقل العلمي وانتهجوا المنهجية العلمية والتفكير الحر كأفضل السبل للوصول إلى الحقيقة، ولا غرابة أنهم قفزوا قفزات علمية وتقنية هائلة، ووسعوا نفوذهم على المستوى العالمي وحققوا الكثير من المصالح.
هذا فوق النكران، إنما لا يعني أن تمنياتهم أو أوهامهم لا تطغى على عقولهم أحيانا، فيقومون بأعمال تأتي عليهم بعكس ما يشتهون. أدلل على هذا أدناه من بعض التجارب في المنطقة العربية الإسلامية.

على المستوى العربي
"تتبادل الأنظمة العربية مع أميركا وإسرائيل المصالح, فالأنظمة تريد البقاء في السلطة، وإسرائيل وأميركا تريدان السيطرة ونهب الثروات وإبقاء العرب ضعفاء متخلفين, وفي نفس الوقت يخدم التشهير بالأنظمة تلميع صورة إسرائيل على المستوى الشعبي الغربي"أهم ما يميز سياسة الولايات المتحدة وإسرائيل فيما يخص العرب هو الحرص الشديد على بقاء الاستقرار السياسي لأن أغلب الأنظمة الحاكمة لا تملك استقلالا سياسيا ولا تسعى إلى تحقيقه.
أغلب الأنظمة إما منصّبة من الاستعمار الغربي وبرعاية أميركية الآن، أو محمية عسكريا من الأميركيين أو ممولة من أهل الغرب عموما. فقط أميركا وإسرائيل تسعيان بصورة واضحة إلى صناعة حالة عدم الاستقرار في قلة من الدول العربية تتمرد جزئيا على سياستيهما، وتحاول بصورة متواضعة تغيير الأوضاع في المنطقة. في هذا الشأن، من الممكن رسم خطوط عريضة لسياستيهما تؤدي حتما إلى تحويل آمالهما إلى تمنيات وهي:
أ- دعم الاستبداد: تدرك كل من أميركا وإسرائيل أن الأنظمة العربية استبدادية، وهما تشهّران بهذه الأنظمة في مختلف المحافل الدولية، ودائما يردد الساسة الغربيون وإعلامهم بأن إسرائيل هي الدولة الديمقراطية الوحيدة في المنطقة.
الدولتان تعملان عن سابق إصرار وتعمد على الإبقاء على الاستبداد العربي لأنه وحده الذي يطوع الأمة العربية ومقدراتها لهما. تتبادل الأنظمة العربية مع أميركا وإسرائيل المصالح: الأنظمة تريد البقاء في السلطة، وإسرائيل وأميركا تريدان السيطرة ونهب الثروات وإبقاء العرب ضعفاء متخلفين. في نفس الوقت يخدم التشهير بالأنظمة تلميع صورة إسرائيل على المستوى الشعبي الغربي، وإبقاء الأنظمة العربية تحت وطأة الشعور بالدونية.
هذا بحد ذاته يؤلب الشارع العربي ضد الغرب عموما وضد أميركا وإسرائيل. تتحدث الدول التي تسمي نفسها متحضرة عن الديمقراطية وحقوق الإنسان، ولكنها تدعم الاستبداد والتخلف والضعف الذي تجسده الأنظمة. هي تدعو إلى انتخابات حرة ونزيهة، لكنها تسكت عن تزوير الانتخابات في عدد من الدول العربية، وتصمت إزاء قوانين انتخابية متخلفة تهدف فقط إلى ضمان فوز جماعة النظام السياسي في الانتخابات، وترفض نتائج الانتخابات إذا لم تكن وفق المزاج مثلما فعلت في الجزائر وفلسطين.
الوعي بهذا الأمر يتراكم، وفي النهاية ستدفع الأنظمة العربية الثمن ومعها من يحالفها بالأخص أميركا وإسرائيل.
ب- تحقير الأنظمة: ربما يكون العرب أقل الناس احتراما في العالم، وأكثرهم عرضة للإهانات والهزائم. السبب هو أن أهل الغرب يصرون على إبقاء الأنظمة العربية ضعيفة حتى لا تفكر يوما بالحرية أو الثأر لشرف أهين أو أرض استبيحت أو كرامة انتهكت, ولا يتوانون في ضرب أي نظام عربي يجمع القوة ويبدأ يبشر بخلاص الأمة من نير المستعمرين.
إريتريا انتهكت حرمة الأرض العربية في اليمن، وكذلك فعلت إثيوبيا في الصومال. أما أميركا فدفعت بقواتها إلى لبنان عامي 1958 و1983، وضربت ليبيا والسودان ومجموعات على أرض اليمن، واحتلت العراق، وأنزلت قواتها في نجد والدهناء والكويت وقطر والإمارات والأردن ومصر، إلخ. هذا فضلا عن الحصار الذي يتم ضربه على دول عربية بين الحين والآخر.
"أغلب الأنظمة العربية مرتاحة للخدمات التي تقدمها لأميركا وإسرائيل، لكنها في كثير من الأحيان تجد نفسها في وضع صعب لأنها تواجه وعيا عربيا متزايدا"هل مثل هذه الأنظمة قادرة في النهاية على الاستمرار في خدمة إسرائيل وأميركا بدون عراقيل؟ أغلب الأنظمة العربية مرتاحة للخدمات التي تقدمها، لكنها في كثير من الأحيان تجد نفسها في وضع صعب لأنها تواجه وعيا عربيا متزايدا.
صحيح أن الوعي العملي لم يتطور حتى الآن ليشكل خطورة على الأنظمة، لكن الوعي النظري بحقيقة الأنظمة يزداد يوما بعد يوم، وإسرائيل وأميركا تساعدان في ذلك عبر سياستيهما اللتين لا تعيران انتباها لأهمية الإبقاء على بعض الكرامة لمن يقدمون لهم الخدمات

المصدر:
الجزيرة

ليست هناك تعليقات: