الأحد، ١٥ فبراير ٢٠٠٩

إسرائيل ومبدأ الاختصاص العالمى للقضاء الوطنى ـ د. عبدالله الأشعل

الثابت أن محاكمات نورمبرج للقضاء الوطنى، والقصوة التى انتهت إليها نتائج هذه المحاكمات، كانت تطوراً هاماً فى العدالة الدولية، وبقطع النظر عن دور الهولوكوست فى التوصل إلى هذه النتائج، إلا أن أحكام نورمبرج قد أسست لمرحلة جديدة فى القانون الجنائى الدولى. وقد لاحظنا أن المحرقة اليهودية قد ارتكبها رسميون ألمان وفقاً لقرار رسمى من الحكومة الألمانية عندما كان اليهود يتمتعون بالجنسية الألمانية، وبصرف النظر عن الأسباب التى دعت الألمان إلى إرتكاب هذه الجريمة وسواء كان ذلك بسبب تصرفات اليهود أو كان بسبب النزعة العنصرية عند الألمان، فإن العالم كله قد أجمع على أن هذه مرحلة جديدة تعززت بها العدالة الدولية، وأنتهت مسيرتها فى عام 1998 عندما نشأت أول محكمة جنائية دولية دائمة فى تاريخ البشرية. ومن الواضح أن التكييف القانونى لمحرقة اليهود هو قطعاً أنها جرائم إبادة ضد الإنسانية إذا كانت قد استهدفت ديناً معيناً أو جنساً معيناً، ومن الطبيعى أن استهداف الضحايا بسبب ادانتهم جنائياً لا يدخل فى إطار هذا النوع من الجرائم، كما أننا علمنا من أخبار هذه المحرقة من مصادر يهودية، ولم يتحدث الألمان حتى اليوم عن مدى صحة هذه الوقائع. ولكن ترتب على هذه الحقائق أن إسرائيل أعطت نفسها الحق فى ملاحقة كل من تظن أنه أشترك بشكل أو بأخر فى هذه المحرقة والتى أرتكبت قبل قيام دولة إسرائيل، وقد أكدت إسرائيل خلال محاكمة إيخمن عام 1962 أن القضاء الإسرائيلى يتمتع بالاختصاص الجنائى العالمى، وكان واضحاً أن أساس هذا الاختصاص العالمى للقضاء الإسرائيلى ينصرف فقط إلى الذين يرتكبون جرائم ضد اليهود وحدهم، فهو مبدأ خاص بإسرائيل وحدها. ومن الواضح أيضاً أن هذا الاختصاص العالمى قد وصل إلى انتهاك السيادة الوطنية للدول الأخرى، وسوغ قيام إسرائيل بخطف المتهمين من الدول التى يتواجدون فيها. واليوم انقلبت الأية فقد أصبح اليهود هم الجناة وأصبح الفلسطينيين والعرب هم الضحايا، فلماذا تهاجم إسرائيل مبدأ الاختصاص العالمى الموضوعى الذى يعطى القضاء الوطنى فى بعض الدول الحق فى محاكمة أى شخص مهما كانت جنسيته أو عقيدته أو الأقليم الذى أرتكبت فيه الجريمة، مادامت الجريمة تقع ضمن طوائف الجرائم الخطيرة وهى جرائم الإبادة الجماعية والجرائم الإنسانية. ويجب أن نلاحظ أن كل من تناول محرقة الفلسطينيين فى غزة ليست جرائم حرب وأنما هى جرائم ضد الإنسانية وجرائم إبادة جماعية، والسبب هو أن جرائم الحرب هى مجموعة الأفعال الخطيرة الواردة فى اتفاقات جنيف الأربع، والتى ترتكب أثناء القتال أو الصراعات المسلحة ويفترض أنها بين جيوش متحاربة، وأن هذه الأفعال قد ارتكبت رغم اجراءات الحيطة والحذر التى التزمها الجيشان المتحاربان. صحيح أن بعض مخالفات دولة الإحتلال لإتفاقية جنيف الرابعة تعتبر فى مرتبة جرائم الحرب، إلا أن ما حدث فى غزة من هذه الزاوية يمكن أن يشكل أيضاً جرائم حرب، فضلاً عن كونه جرائم متعمدة مخططة استخدمت من جانب الجانى من طرف واحد عبر مدة زمنية طويلة، لم يكن ممكناً إزائها التمييز بين أسلحة محرمة وغير محرمة، كما لا يمكن أن نتحدث بصددها عن محاربين وغير محاربين، أو عن أهداف مدنية وأهداف عسكرية. هى إذاً جرائم ضد الإنسانية كما أنها جرائم إبادة، تماماً كما حدث فى محرقة اليهود، حيث قامت السلطات الألمانية صاحبة السلطة والسيطرة على اليهود فى ألمانيا باحراقهم. فالتشابه بين محرقة غزة ومحرقة اليهود تشابه تام، حيث أراد الألمان إبادة اليهود وأراد يهود إسرائيل إبادة الفلسطينيين. هذا التشابه التام يعطى للدول العربية الحق فى تعقب كل المجرمين الإسرائيليين فى أى مكان، وجلبهم إلى قضائهم الوطنى وتنفيذ العدالة الواجبة فيهم، فلا تستطيع إسرائيل أن تدعى بأنها وحدها صاحبة الحق فى خطف من تشاء أو محاكمته أمام قضائها، وأنما للعرب أيضاً نفس الحق فى مواجهة اليهود الذين ارتكبوا هذه الجرائم ليس فقط فى غزة وإنما منذ قيام إسرائيل. وإننى أدعو بهذه المقالة إلى حرب قضائية وقانونية شاملة ضد المجرمين الإسرائيلية الذين ظنوا أنهم أفلتوا من العقاب، وكما أن جميع دول العالم تتفهم مطالبات إسرائيل بتسليمها مجرمى محرقة اليهود كما يحدث الآن بالنسبة لأحد المتهمين الذى جاوز التسعين من عمره حيث تدور المفاوضات لتسليمه ومحاكمته.

ليست هناك تعليقات: