الثلاثاء، ١٠ فبراير ٢٠٠٩

يا عرب.. إسرائيل لا تريد السلام

كلمة السلام (لفظاً ومضموناً) لا وجود لها في قاموس الدولة العبرية على الإطلاق، هذا ما أثبتته في الماضي وكرست وجوده بجرائمها الأخيرة على غزه، وتحرص- بدون شك- على إثباته في الانتخابات التي تجري اليوم العاشر من الشهر الجاري.
إسرائيل في هذا المسلك ليست السابقة الأولي في التاريخ الحديث، حيث سبقتها الولايات المتحدة الأمريكية التي قامت على أشلاء الهنود الحمر أصحاب الأرض الأصليين، والتي تعجز عن الاستمرار دون أن يكون لها عدو تحدده هي بنفسها ، كما فعلت مع الاتحاد السوفييتي المنهار، وتفعل الآن مع الدول العربية وغير العربية التي تدين بالإسلام وتتمثَّل ثقافته، مبررةً موقفها بدعوى حتمية الصدام بين الحضارتين الإسلامية والغربية.
اليوم.. العاشر من فبراير 2009، تجري في إسرائيل انتخابات هي فريدة في نوعها. فالمزاج العام في إسرائيل تغلب عليه النزعة العدوانية ضد العرب والمسلمين والفلسطينيين بدرجة غير مسبوقة، ما قد يدفع بنتائج هذه الانتخابات لصالح اليمين الإسرائيلي المتطرف، على ما أشارت إليه استطلاعات الرأي التي أجريت مؤخراً في إسرائيل.
فقد سبقت هذه الانتخابات حرب يبدو أنه كان مخططاً لها سلفاً أن تدخل في عداد الاستعداد لتلك الانتخابات، وأقصد بها الحرب الأخيرة التي شنتها إسرائيل على غزه.
كما سبقتها مفاوضات إسرائيلية فلسطينية- أفشلتها حكومة إسرائيل- حول إقامة الدولة الفلسطينية التي أوصى بقيامها مؤتمر "أنا بوليس" مع نهاية العام المنصرم 2008. كذلك عمدت إسرائيل إلى تشديد الحصار الصارم الذي تفرضه على قطاع غزه، والذي بات من المستحيل على سكانه تحمله.
وقد أظهرت تلك الاستطلاعات التي جرت أثناء الحرب على غزه وبعدها، أن أكثر من 85 % ممن استطلعت آراؤهم، أيدوا بشكل سافر الممارسات البشعة والمجرمة التي ارتكبها الجيش الإسرائيلي بحق أهالي غزه. بل إن بعض المستطلعة آراؤهم نادوا باستمرار الحرب وقتل الفلسطينيين، برغم معرفتهم بالمخاطر التي يتعرض لها جنودهم، إذا ما حاولوا دخول المناطق الفلسطينية ذات الكثافة السكانية العالية التي يتمركز فيها رجال المقاومة.
ليفنى وايهود باراك ونتنياهو ــ ياسر تركيب تصميم
أضف إلى ذلك، تلك الفتاوى التي دعا فيها حاخامات إسرائيل جنودهم للاستمرار في مسلسل قتل الأطفال والنساء، بدعوى أن هؤلاء هم بمثابة معامل لتفريخ أعداء إسرائيل في المستقبل.
هذا إلى جانب الدعوات المرعبة التي تضمنتها بروتوكولات حكماء صهيون الخاصة بنشر الفساد والإفساد في عالم "الأغيار" بعامة، وإقامة الدولة اليهودية العالمية التي تحكمهم وتسخرهم خدماً لها، بعد أن يتم للصهاينة احتلال كامل فلسطين التاريخية أولا، ثم إقامة إسرائيل الكبرى من الفرات إلى النيل ثانيا.
زد على ذلك أن قوات الجيش الإسرائيلي ارتكبت من جرائم الحرب بحق أهل غزه ما تشيب له الولدان. فقد استخدمت قنابل فوسفورية حارقة يصل قطر المساحة التي تغطيها القنبلة الواحدة نحو 200 متراً، كما استخدمت قنابل عنقودية ومقذوفات ثقيلة مزودة باليورانيوم المنضب، ما أوقع العديد من الضحايا المدنيين.. كان نصفهم من الأطفال والنساء والمسنين بخلاف الرجال من المدنيين.
وقد ذهب بعض المراقبين والصحفيين للقول، بأن الحرب التي شنها الجيش الإسرائيلي على سكان غزه كانت بمثابة حرب إبادة جماعية، لا تفرق بين المدنيين والمقاومين، ولا بين الأطفال واليافعين، ولا بين الرجال والنساء والمسنين، فكلهم أمام قذائف المدافع الإسرائيلية الثقيلة وقصف الطائرات والمدمرات، سواسية.
كما تمثلت حرب الإبادة في هدم البنايات السكنية على رؤوس ساكنيها، واعتقال الشباب والشيوخ والنساء والأطفال الذين يعيشون في أطراف مدن القطاع وضواحيها وقراها والمناطق الزراعية التي دخلتها الدبابات الإسرائيلية.. وقتلهم بدم بارد.
زد على ذلك ما تردد من أن الذخائر التي استخدمتها إسرائيل في تلك الحرب القذرة، هي قنابل أمريكية ما زالت تخضع للتجارب.. وسمحت أمريكا لإسرائيل باستخدامها ضد المدنيين دون واعز من ضمير. فكأن أمريكا ومن ورائها الدعم الأوروبي، سمحت للصهاينة بارتكاب هذا العمل الإجرامي المشين بحق سكان غزه وكأنهم فئران تجارب، تماماً كما فعلت أمريكا وحلفاؤها الأوروبيون في حربهم على العراق وأفغانستان.
ليفني
ولسنا بحاجة للتذكير بأن العقيدة الرئيسة التي تحكم قادة الكيان العبري وحلفاءهم في الحفاظ على استمرار وجود إسرائيل في المنطقة، هي الاعتماد كلياً على امتلاك هذا الكيان قوة عسكرية تفوق ما لدي جيوش المنطقة مجتمعةً، سواء من حيث الكم أو النوع.
والدليل على ذلك أنه برغم البون الشاسع في عدد سكان إسرائيل قياساً بالعرب (نحو 7 مليون إسرائيلي : مقابل نحو 350 مليون عربي)، فإن عدد الناخبين الإسرائيليين الذين يحق لهم الانتخاب اليوم يصل لنحو (5) خمسة ملايين، ما يعني أن الغالبية العظمى من هؤلاء قادرون على حمل السلاح، وأنهم يعتبرون بالفعل من جنود الاحتياط.
الشاهد أن كل ما ذكرناه هنا يدل على شيء واحد، وهو أن الكيان الإسرائيلي.. كيان استعماري استيطاني يتسلح بدعاوى توراتية مضلله، وبدعم أمريكي وأوروبي غير محدود، ما يدفعه للمضي قدماً في تنفيذ مخططاته الصهيونية الهادفة لإقامة الدولة اليهودية على كامل التراب الفلسطيني من البحر إلى النهر، تمهيداً لتنفيذ حلم الصهيونية العالمية في إقامة إسرائيل الكبرى من الفرات إلى النيل.
وليس من شك أن هذا القول لا ينطوي على أي قدر من المبالغة. والذين يتشككون فيه، عليهم أن يقرءوا بروتوكولات حكماء صهيون، بعد أن يتفهموا جيداً الدعاوى التوراتية المحرفة التي يطرحونها حول وجودهم في هذه المنطقة، وأهداف هذا الوجود. كما أن عليهم أن يطلعوا على أراء الإنجيليكيين المتصهينين في أمريكا بخاصة، الذين يدَّعون أن قيام إسرائيل على أرض فلسطين وعودة القدس لليهود، هما هبة من الله.
فالسلام الحقيقي والعادل بين الفلسطينيين والكيان العبري لا يوجد له وجود في أجندة هذا الكيان، لأن قيامه في المنطقة لا يمثل سوى المرحلة الأولي من المخطط الصهيوني الذي يستهدف إنشاء الدولة اليهودية العالمية. فالمتوقع منه- في المرحلة القادمة- إذن، أن يبذل كل ما في وسعه لطرد أهالي الضفة الغربية وقطاع غزه من أراضيهم، وإجبارهم على النزوح للدول العربية المجاورة مثلما جرى عام 48 ، إضافة لطرد الفلسطينيين الذين لم يغادروا ديارهم بعد قيام الدولة العبرية في ذلك العام إلى الدول العربية المجاورة.
ايهود اولمرت
وليس من شك أن هدف اليهود من ذلك، هو أن تصبح فلسطين بكاملها دولة يهودية الطابع. وما المستوطنات المتناثرة في الضفة الغربية والتجمعات الاستيطانية حول القدس الشرقية، سوى دليل دامغ على خطط اليهود الاستيطانية التوسعية، والتي أصبحت كالسرطان تتزايد بسرعة مذهلة، حيث لم يستطع النهج التفاوضي الذي سلكه عباس ومن قبله الراحل عرفات أن يوقفه.
ومما يؤسف له، أن بعض الفلسطينيين الذين ابتُلي بهم الشعب الفلسطيني والشعوب العربية، هم الذين يتصدرون التيار التفاوضي مع العدو، برغم إدراكهم أن لا أمل يرجى من هذه المفاوضات التي ثبت عبثيتها، والتي امتدت منذ التوقيع على اتفاق أوسلو وحتى اللحظة، حيث لم تحقق للفلسطينيين أي إنجاز يذكر.
بل إن ما حدث كان على النقيض من ذلك، حيث استمرت عمليات الاستيطان بمعدلات متسارعة، حتى أن مشروع شارون القاضي بالاستيلاء على 48% من أراضي الضفة، يبدو أنه في الطريق للاكتمال بعد أن تم بناء الجزء الأكبر من الجدار العازل الذي أمر بإقامته.
إن نظرة سريعة للقوى السياسية المتنافسة في الانتخابات الإسرائيلية التي تجري اليوم، تظهر أن المعيار الرئيس الذي يعتمده المرشحون في اجتذاب أصوات الناخبين، هو مدى التزامهم باستخدام القوة في التعامل مع المقاومة الفلسطينية أولاً، ثم مدى التزامهم بعدم إقامة سلام يعيد للفلسطينيين الحد الأدنى من حقوقهم المشروعة ثانيا.
والسلام الذي يرتضون به هو الاستسلام للشروط التي تتضمنها الأجندة الصهيوأمريكية لحل القضية الفلسطينية، والتي أقصى ما تسمح به هو إقامة دولة فلسطينية (مسخ) في الضفة والقطاع .. تكون مقطعة الأوصال، ولا يربط بين تجمعاتها السكانية رابط جغرافي، وفاقدة لكل مقومات الدولة من حيث السيادة على الأرض والحدود ومصادر المياه والجو والبحر، فضلا عن بقاء القدس موحدة وعاصمة أبدية لإسرائيل، ورفض حق العودة للاجئين .. وغير ذلك الكثير.
ويكفي للتدليل على صدق هذا القول، نتائج الاستطلاعات التي أجريت في إسرائيل مؤخراً، والتي أظهرت أن الأحزاب اليمينية المتطرفة وهي تحديدا: أحزاب "الليكود" و "إسرائيل بيتنا" و "الاتحاد القومي" و "شاس" .. يتوقع أن تحصل على 67 مقعداً في "الكنيست" (البرلمان الإسرائيلي)، ما يعني أنها المرة الأولى التي يستطيع اليمين الإسرائيلي المتطرف أن يحصل على الأغلبية المطلقة التي تمكنه من تشكيل الحكومة دون منازع.
ويكفي أن نرى حزب "إسرائيل بيتنا" الذي يتزعمه "أفيغدور ليبرمان" الفاشي النزعة، وقد تصاعد نفوذه ليحتل المرتبة الثالثة بين الأحزاب الإسرائيلية بعد الليكود وحزب كاديما. والمعروف عن ليبرمان أنه ينادي بطرد ما يسمون بعرب إسرائيل، وتفريع كل الأرض الفلسطينية من أصحابها الأصليين، ناهيك عن التهديدات العنصرية والفاشية التي كان وما زال يطلقها ضد الشعوب العربية والإسلامية، لعل أحدثها دعوته لضرب المنشآت النووية الإيرانية.
بقلم: موسى راغب

ليست هناك تعليقات: